IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

اللقاحات ووباء كورونا

 الإثنين. 25 يناير., 2021

اللقاحات ووباء كورونا

 أ. د. محمد عوض تاج الدين

المصل هو حقن الفرد بالأجسام المضادة للفيروس، أما اللقاح فيعني إعطاء الفرد نسبة من الفيروس، وهذه النسبة إما من فيروسات ميتة أو تمت معالجتها بطريقة لا تؤدي إلى المرض، ولكن تتمتع بالقدرة على تنشيط الجهاز المناعي للإنسان؛ لإنتاج الأجسام المضادة للفيروس، أي أن اللقاح (الفاكسين) عبارة عن معلق يحفِّز مناعة الإنسان من جراثيم ميتة أو معطلة غير نشطة لا تؤدي إلى المرض، سواء أكان فيروسيًّا أم بكتيريًّا، وعادة يُضاف لهذا المعلق بعض المواد الأخرى، إما للمساعدة في تقوية المناعة أو للحفاظ على المعلق في شكله المتاح للاستخدام. تاريخ الحملات التطعيمية عالميًا يعود تاريخ استخدام التطعيمات إلى سنوات طويلة سابقة، وخصوصًا ما يتعلق ببداية استخدام مستخرجات من «بثرات الطاعون البقري»؛ للوقاية من مرض الجدري الخطير

المصل هو حقن الفرد بالأجسام المضادة للفيروس، أما اللقاح فيعني إعطاء الفرد نسبة من الفيروس، وهذه النسبة إما من فيروسات ميتة أو تمت معالجتها بطريقة لا تؤدي إلى المرض، ولكن تتمتع بالقدرة على تنشيط الجهاز المناعي للإنسان؛ لإنتاج الأجسام المضادة للفيروس، أي أن اللقاح (الفاكسين) عبارة عن معلق يحفِّز مناعة الإنسان من جراثيم ميتة أو معطلة غير نشطة لا تؤدي إلى المرض، سواء أكان فيروسيًّا أم بكتيريًّا، وعادة يُضاف لهذا المعلق بعض المواد الأخرى، إما للمساعدة في تقوية المناعة أو للحفاظ على المعلق في شكله المتاح للاستخدام.
 
تاريخ الحملات التطعيمية عالميًا
يعود تاريخ استخدام التطعيمات إلى سنوات طويلة سابقة، وخصوصًا ما يتعلق ببداية استخدام مستخرجات من «بثرات الطاعون البقري»؛ للوقاية من مرض الجدري الخطير، والذي كان منتشرًا في العالم، وفي هذا السياق تم زرع أجزاء من الجدري للتحصين، وزيادة المناعة في جسم الإنسان منذ أكثر من ألف سنة، وفي عام 1796 نجح «إدوارد جينيس» في استخدام مواد من الطاعون البقري لتكوين مناعة ضد مرض الطاعون، وعلى مدى الـ 200 عام التالية استطاع العلماء والأطباء تطوير هذه الاكتشافات باستخدام التقنيات التكنولوجية المتسارعة؛  مما نتج عنه القضاء على مرض الجدري الخطير والقاتل في ذلك الوقت.
 
وفي عام 1885 استطاع العالم الفرنسي «لويس باستير» اكتشاف اللقاح ضد مرض آخر خطير، وهو مرض داء الكلب (Rabies)، وتوالت الأبحاث المتقدمة لإنتاج لقاحات في سبيل مواجهة الأمراض البكتيرية، فضلًا عن أمراض أخرى خطيرة تسبَّب انتشارها في وقوع خسائر بشرية واقتصادية وصحية كبيرة، مثل: استخدام مواد ضد السموم، واللقاحات ضد البكتريا والتيتانوس والكوليرا والطاعون، وأمراض أخرى متتالية.
 
ومنذ بداية منتصف القرن العشرين، شهد العالم طفرة عالمية وتطورًا إيجابيًّا في مجال أبحاث اللقاحات، ونتج عن ذلك اكتشاف وإنتاج لقاحات لأمراض الأطفال المنتشرة، مثل: الحصبة، والتهابات الغدة النكافية، والحصبة الألمانية، وكان لهذه اللقاحات تأثير إيجابي كبير في الحد من عبء هذه الأمراض وتداعياتها، وتتابعت التطورات مع استمرار الجهود المضنية للعلماء في الأبحاث العلمية؛ لإنتاج لقاحات لأمراض أخرى تؤدي إلى الوفاة أو الإعاقة لملايين من البشر كل عام، مثل الملاريا التي ليس لها لقاح حتى الآن، كما تستمر الجهود المكثَّفة للبحث عن لقاحات جديدة أكثر فاعلية وأكثر حماية لمرض السل (الدرن)؛ حيث تجرى منذ عدة سنوات أبحاث كثيرة، لأن اللقاح الحالي (BGG) رغم أنه يسهم كثيرًا في الحد من مخاطر الأنواع الشديدة من المرض، لكنه لا يعطي مناعة من الإصابة به.
 
الحملات التطعيمية في مصر: تجارب ناجحة
منذ سنوات طويلة، أسهمت التطعيمات الإجبارية للأطفال في مصر في حماية أجيال متعددة من مخاطر حزمة من الأمراض الخطيرة كالدفتيريا، والحصبة، والسعال الديكي، وكانت التطعيمات الخاصة بالحملة القومية المصرية للقضاء على شلل الأطفال تُعد بمثابة ملحمة حقيقية؛ حيث بدأت حملة كبيرة منظمة في عام 2002، وتم تجهيز سلسلة من سيارات التبريد لحفظ اللقاح، وإعطاء التطعيم إلى كل منزل في كل أنحاء الجمهورية، وذلك بالتوازي مع إعداد حملة توعية وتعريف بالمرض ومخاطره، وأهمية التطعيم، مع تركيز الحملات في بعض بؤر المرض، وكانت تعد حملة مثالية، وانتهى المرض في مصر عام 2005، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عام 2006 خلو مصر من شلل الأطفال بكل مشكلاته وتداعياته.
 
وهناك تجربة أخرى ناجحة، وهي التطعيم القومي ضد التهاب الكبد (ب- B) - (HBV)، الذي كان منتشرًا في مصر، وذلك بالتوازي مع التهابات الكبد الأخرى، وأشهرها الالتهاب الكبدي (C)، والذي تسبَّب في إعاقة ووفاة الكثيرين؛ بسبب التليف الكبدي أو أورام الكبد الخبيثة، ونتج عن التطعيمات الروتينية والمنظمة لهذا الفيروس انخفاض ملحوظ في نسب الإصابة به، مع العلم بأنه لا يوجد حتى الآن لقاح ضد الالتهاب الكبدي (ج-C)، ولكن استخدام العقاقير المعالجة والمؤثرة نتج عنه انخفاض كبير في نسب الإصابة، وهو ما قاد بدوره إلى خلو مصر من الالتهاب الكبدي (ج-C).
سباق مع الزمن لتطوير لقاح كورونا
 
كان عام 2020 عامًا غريبًا على البشرية، هزَّ كيان البلاد والعباد، وأجهد الدول والشعوب؛ حيث أطلّ فيروس كورونا المستجد على العالم من بلدة ووهان بالصين، وفي خلال أسابيع أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هذا الفيروس وما ينتج عنه من أعراض تنفسية حادة وشديدة قد أصبح جائحةً عالمية، وامتدت الإصابات به إلى كل أنحاء العالم، ورُصدت حالات الإصابة والوفاة في كل دول العالم مع استمرار الزيادات، وكانت الأرقام مرعبة في أوروبا وأمريكا وروسيا والبرازيل والهند، ونظرًا للوصول إلى مرحلة الذروة في أعداد الإصابات، والتداعيات السلبية عالميًّا على الاقتصاد والسياحة والعمل والحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى القطاع الطبي والصحي، اتجه الأطباء والعلماء إلى محاولة تصنيف درجات المرض وحدَّته وبروتوكولات العلاج لكل مرحلة من مراحله وتداعياته، وأصبح التجمع في مستشفيات الفحص والتشخيص والعلاج والعزل والرعايات المركزة التنفسية ظاهرة في كل أنحاء العالم. 
 
وانتشرت الآراء، هنا وهناك، بشأن احتمالية اكتشاف عقار مؤثر، وكلها أدوية ضد الفيروسات استُخدِمت في علاج أمراض فيروسية أخرى وأبحاث مؤيدة أو إيجابية وأخرى معارضة أو سلبية، وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات لم يتم التوصل إلى دواء فيروسي يستهدف فيروس كورونا المستجد. وقد أسهمت الموجة الأولى من الوباء، ونوعية الإصابات وتنوع الأعراض، والمظاهر الإكلينيكية والمعملية، وصور الأشعة المقطعية، والتعامل مع الحالات الحرجة المختلفة، في إعطاء الأطباء خبرة تراكمية كبيرة، وعلى الجانب الآخر من الصورة كان هناك تسارع شديد واستنفار علمي بين المؤسسات العلمية، وشركات إنتاج اللقاحات نحو توفير لقاح عاجل مؤثر وفعَّال وآمن لهذا الفيروس الجديد على البشرية.
 
وبدأت الأبحاث السريعة، وتم دمج المراحل البحثية وهي مراحل معملية، وإجراء تجارب على حيوانات التجارب، ثم على البشر في مراحل مختلفة من الإصابة، وفي ظل وجود أعداد متزايدة من المتطوعين، استهدفت هذه الأبحاث في المقام الأول التأكد من أن اللقاح فعَّال وآمن على المستويات المختلفة، وعلى المدى القريب والبعيد، ثم تم إجراء دراسة إكلينيكية سريرية لضمان فعالية اللقاح في تكوين أجسام مضادة من ناحية، ودرجة ونوعية الحماية أو الوقاية اللازمة من الفيروس باستخدام اللقاح للتطعيم ضده من ناحية أخرى.
 
سباق عالمي للقاحات
دخلت الدول ومؤسساتها العلمية والطبية والدوائية في سباق مع الزمن بحثيًّا ومعمليًّا، فضلًا عن إجراء التجارب على الحيوانات، والتجارب الإكلينيكية للوصول إلى لقاحات فاعلة وآمنة، وتم استخدام الطرق التقليدية في تحضير اللقاحات، أي باستخدام الفيروسات الميتة والقادرة على دفع الجسم لتكوين أجسام مناعية، بينما استخدم البعض الآخر فيروسات معطلة المفعول ليقوم الجسم بعد التلقيح بإنتاج أجسام مضادة.
 
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن اللقاح المرشَّح لجامعة أكسفورد مصنوع من فيروس ضعيف يؤدي إلى تزايد البرد الشائع، يُطلق عليه «أدينوفيروس» أو «الفيروس الغدي»، معدَّل وراثيًّا، وتم تجربته على الشمبانزي، وهو يساعد في تكوين أجسام مناعية ضد فيروس كورونا المستجد؛ حيث تمَّت إضافة المواد الوراثية المميزة على البروتين التاجي السكري (Spike Glycoprotein)، وهو البروتين الذي يستخدمه الفيروس لاختراق خلايا الجهاز التنفسي أو الخلايا البشرية الأخرى، ومن خلال اللقاح يتعرف الجسم على هذه البروتينات، ويكوِّن الأجسام المناعية ضد فيروس كورونا المستجد.
 
أما اللقاح المرشَّح من قِبل المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة وشركة مودرنا الأمريكية، فقد تضمَّن إنتاجه استخدام تقنية (encapsulated MRNA) لأول مرة، وقد تم تطويره بعد ثمانية أسابيع من الحصول على التسلسل الجيني للفيروس في يناير 2020، وتعتمد تقنية اللقاح على تشفير التعليمات لصنع بروتين الفيروس التاجي (Spike) في جزيء RNA يمكن حقنه للمرضى، وبعد إجراء التجارب الإكلينيكية السريرية المختلفة، حصل هذا اللقاح مع لقاح شركة فايزر الأمريكية - والذي أُنتج بالتقنية نفسها - على تصريح عاجل من مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وبدأ استخدامه في الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة أخرى من الدول، وذلك فضلًا عن اللقاح الذي أنتجته روسيا الاتحادية.
 
وفي الصين هناك لقاح مرشَّح من معهد بكين للتكنولوجيا الحيوية (كانسينو بكين)، ويستخدم هذا اللقاح الفيروس الخاص بنزلات البرد (فيروسات غددية)، ومُصمَّم وراثيًّا لإنتاج المواد الوراثية المعبرة عن البروتين التاجي السكري لفيروس كورونا، وهو البروتين الذي ينتجه الفيروس لاختراق خلايا الأنسجة البشرية، وهناك أيضًا لقاحات صينية أخرى تستخدم الطرق التقليدية، وكانت نتائجها إيجابية وقادرة على تحقيق استجابة فعالة عند تجربتها على البشر.
 
وما زال العالم ومليارات البشر حوله يتابعون كل ما هو جديد حول التطعيمات أو اللقاحات، ونتائجها واحتمالية تأثيرها، وتدرس كل ما يُعلن عنها إعلاميًّا في ظل القلق والخوف العالمي من الموجات الجديدة، والتطورات المعلنة للفيروس، وأماكن انتشارها ومدى تأثيرها؛ أملًا في أن يسهم هذا اللقاح في الحد من انتشار المرض أو الحد من مضاعفاته ومشكلاته. ورغم تزايد عدد اللقاحات المتاحة حتى الآن، علاوة على أعداد أخرى منها في الطريق للظهور والإتاحة، فإن مدة الحماية من المرض ما زالت خاضعة للمتابعة والدراسة المستمرة، ويمكن تشبيه هذا الوضع باللقاحات المستخدمة للوقاية من الإنفلونزا الموسمية التي تسببها فيروسات إنفلونزا «أ» و «ب»، والتي تتغير كل عام باحتمال تغير الترتيب الجيني للفيروسات.
 
وهذه التطعيمات لا تعطي مناعة صلبة أو كاملة ولكنها تحمي جزئيًّا من الإصابة، والأهم فإنها تقلل نسب الإصابة بالمضاعفات خصوصًا الالتهابات الرئوية، ولكن مع ظهور طفرات جينية جديدة وأنواع أخرى من هذه الفيروسات بسبب التحورات الجينية، فسوف يحتاج الأمر خلال الأشهر القادمة إلى إنتاج أنواع جديدة من لقاحات فيروس كورونا، بتركيب جيني مختلف.
 
دروس ورسائل
في ضوء العرض السابق لتطور وسباق اللقاحات العالمي، يمكن القول إن الأمصال واللقاحات أنقذت البشرية من عدة أوبئة وأمراض فتاكة وقاتلة على مدار التاريخ، وقضت على بعض الأمراض الخطيرة، وتسهم الأمصال واللقاحات سنويًّا في إنقاذ حوالي من 3 إلى 5 ملايين إنسان، أما الأمراض التي لم يُكتشف لها أمصال أو لقاحات أو عقاقير حتى الآن، فما زالت تسبب عددًا غير قليل من الإعاقات والوفيات. كذلك تجدر الإشارة إلى أهمية وجود بنية تحتية ونظام مؤسسي وكوادر علمية بشرية؛ لدعم قدرات الدولة في ميدان البحث العلمي والابتكار لضمان توافر الحد اللازم من الأدوية والأمصال واللقاحات والمستلزمات الطبية عند الحاجة، خصوصًا في الظروف الطارئة والاستثنائية.
 
وعلى المستوى القومي، تظهر أهمية البدء فورًا في تكليف فريق عمل من خبراء الطب في الجامعات المصرية وقطاع الصحة ومؤسسات الدولة المصرية ذات الصلة؛ بهدف وضع برنامج وطني جديد لأبحاث اللقاحات والأمصال ومضادات السموم، لرسم خطة وبرنامج محدد المعالم وقابل للتطبيق في مجال البحث العلمي، وتصنيع المواد اللازمة على المدى القصير والمتوسط والطويل، مع الاستعانة بالخبرات العالمية؛ للإسهام في نقل التكنولوجيا الحديثة وتوطينها.
 
والسؤال الأخير: هل مصر قادرة على ذلك؟ الإجابة: نعم مصر قادرة على ذلك، وتملك الكوادر البشرية والخبرات العلمية التي تؤهِّلها للمشاركة في السباق العالمي لتطوير لقاح كورونا.

تقييم الموقع