IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

سوق العمل في مصر: الفرص والتحديات بعد أزمة فيروس كورونا المستجد

 الإثنين. 14 يونيو., 2021

سوق العمل في مصر: الفرص والتحديات بعد أزمة فيروس كورونا المستجد

 د. مروة بلتاجي

يتمثل الهدف الرئيس من هذه الورقة في تسليط الضوء على موضوع أثر فيروس كورونا المستجد على سوق العمل في مصر، كما تقوم هذه الورقة بتزويد متخذي القرار ببعض الأدوات والتوصيات التي يمكن أن تساعد سوق العمل على الخروج من الأزمة الحالية الخاصة بفيروس كورونا المستجد، وتعتمد المنهجية المستخدمة في هذه الورقة على دراسة وتحليل الموضوع من خلال تقديم نظرة عامة على وضع سوق العمل في مصر، مع عرض بعض المؤشرات الحديثة مثل مؤشر المعرفة العالمي لعام 2020، وتتمثل أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الورقة في أهمية دمج مفهوم التعليم المستدام لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر مع التركيز على جودة التعليم والابتكار، بالإضافة إلى تطوير عناصر العملية التعليمية بما يحقق المواءمة بينها وبين متطلبات وحاجات سوق العمل.

1. المقدمة
يتمثل الهدف الرئيس من هذه الورقة في تسليط الضوء على موضوع أثر فيروس كورونا المستجد على سوق العمل في مصر، كما تقوم هذه الورقة بتزويد متخذي القرار ببعض الأدوات والتوصيات التي يمكن أن تساعد سوق العمل على الخروج من الأزمة الحالية الخاصة بفيروس كورونا المستجد، وتعتمد المنهجية المستخدمة في هذه الورقة على دراسة وتحليل الموضوع من خلال تقديم نظرة عامة على وضع سوق العمل في مصر، مع عرض بعض المؤشرات الحديثة مثل مؤشر المعرفة العالمي لعام 2020، وتتمثل أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الورقة في أهمية دمج مفهوم التعليم المستدام لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر مع التركيز على جودة التعليم والابتكار، بالإضافة إلى تطوير عناصر العملية التعليمية بما يحقق المواءمة بينها وبين متطلبات وحاجات سوق العمل.

2. سوق العمل في مصر: نظرة عامة
من المعروف أن سوق العمل في مصر تتكون من القطاعين الرسمي وغير الرسمي، ويتميز القطاع غير الرسمي بأنه كبير ومتنام، ويُعد مصدرًا رئيسًا لخلق فرص العمل. ومع ذلك، فإن الوظائف المتاحة بهذا القطاع ليست لائقة بما يكفي من حيث الأجور والاستدامة وظروف العمل. علاوة على ذلك، تفتقر الكثير من الوظائف في القطاع غير الرسمي إلى الاستقرار؛ بسبب عدم وجود الضمان الاجتماعي وعقود العمل، حيث يرفض أصحاب العمل إبرام عقود عمل ملزمة ويشتكون من ارتفاع تكلفة نظام الضمان الاجتماعي
(Nassar and Biltagy, 2016) ، ويمكن قياس العمالة غير الرسمية باستخدام بيانات مسح القوى العاملة (LFSS) ، ويتم تعريفها على أنها عدد عمال القطاع الخاص العاملين خارج المؤسسات (بما في ذلك قطاع الزراعة)، وبموجب هذا التعريف، مثلت العمالة غير الرسمية حوالي 51.1% من إجمالي العمالة (CAPMAS, LFSS 2018) وقد بلغ نمو القوى العاملة في مصر ٢٫٧٪؛ مما جعلها في المركز ١١٦ في دليل التنمية البشرية.

في مصر، ارتفعت معدلات البطالة من 9% في عام 2000 إلى 13% في عام 2012، حتى وصلت إلى حوالى 8% عام 2020. كما بلغت نسبة المشاركة في سوق العمل في الربع الثالث من عام 2020 نحو 41.1%، ووصل معدل التشغيل السنوي إلى 42.2% (CAPMAS, Statistical Year Book, 2020).

ويمكن القول إن غالبية العاطلين هم من الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عامًا، وتتركز هذه النسبة بشكل رئيس بين خريجي المدارس الثانوية وخريجي الجامعات. وعلى الرغم من حقيقة أن مصر لديها فائض في القوى العاملة، فإن عدم التوافق بين النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل يُمثل مشكلة كبيرة، وينعكس هذا في معدلات البطالة المرتفعة بين خريجي التعليم العالي، وقد أشار CAPMAS إلى أن معدل البطالة بين الشباب الحاصلين على مؤهل جامعي سجل 38.3% (30.2 % للذكور، و49.4% للإناث)، مقابل 30.7% للحاصلين على مؤهل متوسط فني (24.7% للذكور، و48.9% للإناث).

3. بعض المؤشرات الحديثة الخاصة بقطاع التعليم وسوق العمل 
مؤشر المعرفة العالمي 2020
يهتم مؤشر المعرفة العالمي بقياس المعرفة كمفهوم شامل وثيق الصلة بمختلف أبعاد الحياة الإنسانية (مؤشر المعرفة العالمي، 2020). يصدر مؤشر المعرفة العالمى بشكل سنوى، وهو بمثابة أداة لسد الفجوات المعرفية؛ لتقييم الأداء المعرفي لـ138 دولة حول العالم، من خلال 199 مؤشرًا فرعيًّا متفرعة من 7 مؤشرات قطاعية أساسية (انظر الجدول رقم 2)، وهي: التعليم قبل الجامعي (رأس المال المعرفي- الالتحاق- البيئة التمكينية التعليمية- الإنفاق على التعليم- البيئة المدرسية)، والتعليم التقني والتدريب المهني (التكوين والتدريب المهني- بنية التعليم التقني- مؤهلات القوى العاملة ورأس المال البشري)، والتعليم العالي (الإنفاق- الالتحاق- الموارد البشرية- مخرجات التعليم العالي وجودته- جودة الجامعات)، والبحث والتطوير والابتكار (البحث والتطوير من حيث المدخلات والمخرجات- الابتكار في الإنتاج)، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (المدخلات- البنية التحتية- تنافسية القطاع)، والاقتصاد (التنافسية المعرفية- البنية التحتية الاقتصادية والمنافسة- المقومات التنافسية)، والبيئات التمكينية (السياسة والمؤسسات- تكافؤ الجنسين- التمكين- الصحة- البيئة). وقد تقدمت مصر 10 مراكز في مؤشر المعرفة العالمي لعام 2020؛ حيث احتلت المركز الـ72 بالمقارنة بالمركز الـ82 في عام 2019. 
وفيما يخص قطاع التعليم وسوق العمل، نجد أن من أهم عناصر التميز تبعًا لمؤشر المعرفة العالمي 2020 انخفاض نسبة الأطفال خارج الدراسة، وارتفاع نسبة الطلاب الملتحقين ببرامج التعليم المهني في المرحلة الثانوية، وارتفاع نسبة الطلاب الملتحقين بمراحل التعليم قبل الجامعي عمومًا، وارتفاع نسبة الطلاب الملتحقين بجامعات مصنفة عالميًّا، وارتفاع نسبة الطلاب الملتحقين بالبكالوريوس أو ما يعادلها كنسبة من إجمالي طلاب التعليم العالي، وارتفاع مؤشر مؤهلات القوى العاملة ورأس المال البشري، وارتفاع كفاءة الطلاب؛ حيث احتلت مصر مركزًا متقدمًا (المركز 24) بقيمة مؤشر 42.9، متقدمة بهذا المركز المتميز على عدة دول، منها: ألمانيا، وفنلندا، والسويد، وبلجيكا، والصين، مما يدل على تفرد ونبوغ رأس المال البشري المصري، ولكن يظل قطاع التعليم في مصر يواجه عدة تحديات، لعل أبرزها: انخفاض الإنفاق على التعليم (احتلت مصر المركز 93 من بين 138 دولة)، وارتفاع نسبة البطالة بين الحاصلين على تعليم عال (احتلت مصر المركز 119 من بين 138 دولة).
 
4. أثر فيروس كورونا المستجد على سوق العمل في مصر
أعلنت منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من مارس 2020، فيروس كورونا المستجد كوباء عالمي، وذلك بعد ظهور المرض في مدينة ووهان الصينية، ثم انتشاره في إيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا، والعديد من دول العالم. ومع انتشار هذا الفيروس، يواجه النظام التعليمي أزمة من نوع مختلف بسبب إغلاق المدارس (World Bank Education and COVID-19)، والخسائر المحتملة في رأس المال البشري، باعتبار التعليم أحد مكوناته الأساسية
(Mincer, 1958 and Becker, 1962).  

وبدون الاستثمار في رأس المال البشري، ستكون هناك سوق عمل تقليدية تفتقر إلى الابتكارات والتقنيات الجديدة. علاوة على ذلك، ستكون هناك مستويات منخفضة من الدخل (باستثناء دخل الملكية) وسيسود الفقر (Schultz, 1961). وتؤكد نماذج رأس المال البشري أن المساواة في التعليم تؤدي إلى المساواة في توزيع الدخل في المجتمع، كما تدعي هذه النماذج أن الحصول على مستويات مرتفعة من التعليم يؤدي إلى اكتساب المزيد من المعرفة والمهارات، ومستويات عالية من الإنتاجية، ومن ثم الحصول على المزيد من الأرباح. ولأن معدلات البطالة قد زادت بين الأفراد المتعلمين تعليمًا عاليًا وتحولت إلى مشكلة اجتماعية، يجب تعديل نظرية رأس المال البشري، حيث إن نظرية رأس المال البشري في مأزق بسبب الفجوة المتزايدة بين جهود الأفراد لتعزيز معارفهم ومهاراتهم وتناقص فرص العمل المناسبة المتاحة لهؤلاء الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، لا تضمن المستويات المرتفعة من التحصيل التعليمي مستويات عالية من الأرباح كما تدعي نظرية رأس المال البشري، ويرجع ذلك إلى انخفاض مستويات جودة التعليم. وبناءً على ذلك، من المهم مراعاة جودة التعليم وعدم التركيز فقط على عدد سنوات الدراسة  .(Livingstone, 1997)هذا، وتنخفض القوى العاملة الماهرة في مصر، حيث إن 10% من إجمالي القوى العاملة أميون، و3% تندرج تحت فئة "يقرأ ويكتب"، وتبلغ النسبة المئوية للأفراد العاملين الحاصلين على تعليم فوق المتوسط 4%.

لقد واجهت سوق العمل أزمة طاحنة ناتجة عن فيروس كورونا المستجد، وتجدر الإشارة إلى أن تبعات هذه الأزمة ستكون أشد وطأة من تبعات الأزمة المالية العالمية عام 2008 على قضية التوظيف؛ حيث ارتفعت معدلات البطالة بسبب وقف التعيينات الجديدة، والإغلاق الكلي أو الجزئي لبعض الوظائف والقطاعات منخفضة الأجر، مثل: الصناعات التحويلية، وتجارة التجزئة، وبعض الأنشطة الإدارية؛ مما انعكس على أكثر من 81% من القوى العاملة العالمية، والبالغ عددها 3.3 مليارات شخص. وقد أكدت منظمة العمل الدولية على تأثر (5) ملايين عامل في الدول العربية، و(12) مليون عامل في أوروبا، و(125) مليون عامل في آسيا والمحيط الهادئ؛ حيث تم تسريح عدد كبير من العاملين وتخفيض أجورهم وساعات عملهم، كما أن فرص العمل المتاحة للخريجين الجدد صارت أقل بكثير من الفرص التي كانت متاحة في السنوات السابقة؛ حيث أكدت بعض الأبحاث أن نسبة الخريجين الذين نجحوا في العثور على وظائف في المملكة المتحدة عام 2020 لا تتعدى 16%، في حين أن النسبة المعتادة تبلغ 60%من الخريجين. وفي مصر بلغ معدل البطالة 7.2% في الربع الرابع من عام 2020 
(CAPMAS, Statistical Year Book, 2020). 

وأشارت دراسة جديدة، أجراها باحثون في جامعة نورث وسترن وجامعة مانهايم في ألمانيا وجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، إلى أنه بالمقارنة بالأزمات الاقتصادية السابقة وحالات الركود، والتي قد أثرت على عمل الرجال بشكل أشد من النساء، فإن للأزمة الاقتصادية الحالية وتقليص عدد الموظفين الناتج عن أزمة فيروس كورونا المستجد تأثيرًا كبيرًا على القطاعات ذات المعدلات العالية من توظيف النساء، وعلى رأسها القطاع الصحي (María, 2020).
وتأتي هنا القضية الأشد خطورة وهي العمل في القطاع غير الرسمي، والذي يوجد بشكل كبير في العديد من الدول النامية، وهؤلاء الأشخاص الذين يعملون في هذا القطاع هم الأكثر تعرضًا للخطر.

5. الدروس المستفادة من فيروس كورونا المستجد: بعض التساؤلات والتوصيات
قاد فيروس كورونا المستجد العالم إلى واحد من أكثر التحديات المربكة؛ حيث تأثرت أسواق العمل في جميع أنحاء العالم بشدة بسبب هذا الوباء، ويجب أن تظهر الفرص الجيدة لمواجهة هذه التحديات؛ وإلا ستظهر عواقب اقتصادية واجتماعية سيئة على المدى الطويل. ويجب على صانعي القرارات التخطيط بشكل فعال لهذا الوضع الجديد. يقترح هذا الجزء من الورقة بعض الأسئلة لواضعي السياسات لفحص مرونة سوق العمل، على سبيل المثال:
إلى أي مدى كانوا مستعدين للتعامل مع مثل هذه الظروف الاستثنائية؟ 
ما العوامل الرئيسة التي سمحت لبعض أسواق العمل بالتكيف بشكل أكثر كفاءة من غيرها؟
ما القواعد والاستراتيجيات الرائدة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في المستقبل لمواجهة أي مواقف مفاجئة؟
كما ذكرنا سابقًا، شكّلت جائحة فيروس كورونا المستجد عام 2020 صدمة لجميع البلدان، ولم يكن هناك أي اقتصاد بمنأى عن ذلك. ولكن الاقتصادات التي اعتمدت على التكنولوجيا وقامت بتوفير الخدمات عبر الإنترنت كانت أقل تأثرًا نسبيًّا (Global Competitiveness Report, 2020). 
وبالنسبة لسوق العمل المصرية، يمكن لصانعي السياسات الاستفادة من هذه الأزمة، واستغلالها كفرصة جيدة، بحيث تكون سوق العمل أكثر مرونة في التعامل مع التكنولوجيا، وأكثر توجهًا نحو الاستدامة. وقد جاءت خطة التنمية الاقتصادية لعام 2020/2021 كخطة استثنائية بالفعل نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا، وتستند الخطة إلى عدد من الركائز؛ أهمها زيادة الأموال المخصصة للتنمية البشرية، وخاصة قطاعي الصحة والتعليم. أيضًا، لا بد من دمج مفهوم التعليم المستدام لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر مع التركيز على جودة التعليم والابتكار، بالإضافة إلى التعلم مدى الحياة. ويتمتع التعليم العالي بمكانة فريدة لدفع الانتقال إلى الاستدامة؛ حيث تمتلك الجامعات الوسائل المختلفة للتأثير على الطلاب وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتحويل المجتمعات القائمة إلى ثقافات مستدامة (Biltagy, 2015).
ولتكوين رأس مال بشري منافس لا بد من:
تطوير عناصر العملية التعليمية بما يحقق المواءمة بينها وبين متطلبات وحاجات سوق العمل من حيث الأهداف، والمنهج، والمحتوى، والخبرات العملية، والمشاركة الإيجابية في التعليم، وأساليب التقويم المتطورة، والبيئة التعليمية، وذلك من خلال إعادة النظر في سياسة قبول الطلاب في الجامعات، وإجراء دراسة وافية مستفيضة عن احتياجات سوق العمل من الوظائف والتخصصات، ثم ترتيبها حسب الأهمية والإمكانية التطبيقية.
ربط مؤسسات التعليم العالي بمراكز البحوث التربوية المتطورة بهدف التقويم و التطوير المستمر للمناهج و الوسائل التعليمية؛ أي لا بد من ضرورة العمل على تطوير المناهج بحسب حاجة سوق العمل، وزيادة توجيه الطلاب نحو التخصصات العلمية المطلوبة بشكل أكبر في سوق العمل، حيث أثبتت الدراسات أن من أهم أسباب عدم المواءمة ما بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل انخفاض الكفاءة الداخلية لمؤسسات التعليم العالي، والتي من مؤشراتها تدني التحصيل المعرفي والتأهيل التخصصي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية والتطبيقية للطلاب، بالإضافة إلى انخفاض الكفاءة الكمية والنوعية، ويتمثل ذلك في تخريج أعدادٍ من الخريجين في تخصصات لا تحتاجها سوق العمل مع وجود عجز في تخصصات أخرى (مروة بلتاجي، 2013).

الخاتمة
قرارات اليوم ستؤثر بشكل مباشر على الاتجاه الذي ستتخذه أزمة فيروس كورونا المستجد، وبالتالي على حياة المليارات حول العالم، وسوف تقلل القرارات المدروسة من الآثار السلبية لهذه الأزمة، ويجب أن يكون الهدف هو إعادة البناء بشكل أفضل حتى تكون أسواق العمل الجديدة أكثر استدامة.
لا بد من ضرورة تبني سياسات متكاملة، تركز على أربع ركائز:
تحفيز الاقتصاد وفرص العمل.
دعم الشركات والوظائف.
حماية العاملين في مكان العمل.
اعتماد الحوار الاجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل لإيجاد الحلول المناسبة.

تقييم الموقع