IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ودمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية

 الأربعاء. 29 سبتمبر., 2021

البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ودمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية

 د. ندى مسعود

سعت الحكومة المصرية لتعزيز مرونة الاقتصاد المصري وتنوعه، هادفة لإجراء إصلاحات جذرية، بدأت بتنفيذ برنامج شامل للإصلاحات الاقتصادية كمرحلة أولى يتبعه برنامج للإصلاحات الهيكلية كمرحلة ثانية، فقد بدأت مصر في نوفمبر2016، ولمدة ثلاث سنوات برنامجا للإصلاح الاقتصادي يدعمه "اتفاق تسهيل لصندوق النقد الدولي الممدد" Extended Fund Facility (EFF)  في الفترة (2016-2019) بقيمة 12 مليار دولار أمريكي، واستهدف البرنامج معالجة الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تحرير سعر الصرف وجعله أكثر مرونة لرفع القدرة التنافسية الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبي، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، بالإضافة إلى ضبط أوضاع المالية العامة وتقليص عجز الموازنة، كما استهدف البرنامج إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة، وتحسين البنية التحتية، ومناخ الاستثمار، فضلا عن زيادة معدلات التشغيل ومشاركة المرأة والشباب في سوق العمل، وتعزيز تدابير الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الأكثر ضعفا التي تتأثر بالنتائج قصيرة المدى للإصلاحات.
 
وعلى مدى السنوات الماضية، أظهرت مصر تقدمًا اقتصاديا كبيرا في جميع المراجعات التي أجراها صندوق النقد الدولي، وحصدت ثمار الإصلاحات في تصحيح الاختلالات الخارجية والمالية، وحققت أعلى مستوى للنمو عند 5.7% منذ السنة المالية 2007/2008، وانخفض معدل البطالة إلى 7.5%، وهو الأدنى منذ 20 سنة، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت معدلات التضخم في الانخفاض بشكل ملحوظ سعيا نحو تحقيق الهدف متوسط الأجل للسياسة النقدية المتمثل في خفض التضخم إلى خانة الآحاد، وعلاوة على ذلك، استعاد الجنيه المصري قوته، مدعومًا بالاتجاه المتزايد في زيادة الاحتياطيات الأجنبية، كما أسهم البرنامج في استعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية، في ضوء إجراءات الإصلاح التي ساهمت في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وزيادة تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، وقد استهدف البرنامج أيضا توسيع مظلة الأمان الاجتماعي.
 
لقد ساهمت الإصلاحات الاقتصادية في زيادة مرونة وقدرة الاقتصاد المصري على احتواء الآثار السلبية والصدمات الخارجية الناجمة عن الأزمة المترتبة على جائحة كوفيد-19 العالمية، وإيجاد فرص من خلالها، في إطار اقتصاد عالمي جديد تشكلت ملامحه في إطار تلك الأزمة، وارتبط بتحديات وفرص غير مسبوقة على المستوى الدولي بفضل اعتماد سياسات مالية ونقدية جيدة التنسيق، وإصلاحات مؤسسية وتشريعية، فضلا عن اتخاذ العديد من السياسات الاستباقية لمواجهة تلك الجائحة. 
 
وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ السياسات الاقتصادية وحدها لا يكفي لضمان نجاحها، كما تظهر تجارب الإصلاح المختلفة السابقة في مصر وفي العديد من الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على حد سواء، ومن ثم هناك حاجة ماسة لاستكمال تنفيذ مثل هذه السياسات بإصلاحات هيكلية ومؤسسية من أجل ضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتعظيم مكاسب الإصلاحات الاقتصادية على المدى الطويل، فما زالت هناك العديد من التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي المستدام لمصر، ومنها ضعف مرونة الإنتاج المحلي وعدم استدامة النمو، وضعف القدرة التصديرية، وتزايد الاعتماد على العالم الخارجي، خاصة في السلع الغذائية، وضعف تنافسية الطاقة التشغيلية للاقتصاد، ونقص العمالة المدربة. وتفرض هذه الأوضاع والمحددات ضرورة النظر في إمكانية تنفيذ مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية تضمن من خلالها معالجة المشكلات الهيكلية، وتساعد الاقتصاد على النهوض بما يعزز كفاءته ويدعم تحقيق النمو الشامل والمستدام. 
 
وتضم الإصلاحات الهيكلية حزمة من السياسات التي تؤثر على جانب العرض الكلي في الاقتصاد. وتشتمل الإصلاحات الهيكلية على أكثر من نوع من أنواع الإصلاحات، بما يشمل إصلاح هيكل الاقتصاد، وتحرير التجارة، وإصلاح منظومة التدريب المهني، وتطوير أسواق المال، وإصلاحات أسواق العمل، وقطاع التعليم، وأسواق المنتجات، وغيرها من التدابير الهيكلية الأخرى. وتؤثر هذه الإصلاحات بشكل رئيس على مستويات الإنتاجية التي تعد بدورها أهم وسيلة ينتقل بموجبها تأثير هذه الإصلاحات للقطاع الحقيقي، كما أن للإصلاحات الهيكلية دور كبير في رفع كفاءة السياسات التي تستهدف جانب الطلب الكلي، مثل السياسات النقدية والمالية عن طريق إزالة التشوهات والاختناقات الهيكلية. فوجود التشوهات الهيكلية والاختناقات في جانب العرض وعدم كمال الأسواق يحول دون التوزيع العادل للموارد الاقتصادية، ويضعف من مستويات قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية.
 
كما أن أحد أهم الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري على مستوى المنشآت الإنتاجية وعلى مستوى سوق العمل يتعلق بتضخم القطاع غير المنظم، أو القطاع غير الرسمي، على حساب القطاع الرسمي.
 
إحصاءات عن الاقتصاد غير الرسمي وحجمه وتركزه:
تؤثر ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي على العديد من المستويات، فعلى المستوى الاقتصادي الكلي، يؤثر وجود قطاع غير رسمي كبير على المالية العامة للدولة والحصيلة الضريبية ويحد من كفاءة وفعالية السياسات الكلية، كما يؤدي إلى غياب معلومات دقيقة عن سوق العمل، بالإضافة إلى إعاقة النمو والاستثمار.
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع العمالة غير الرسمية يعمل به حوالي 55% من الأيدي العاملة، إلا أن القطاع غير الرسمي له قيمة مضاعفة مُنخفضة، حيث إن ثلث الدخل المحلي يأتي من هذا القطاع ولكن إنتاجية هذا القطاع تعتبر مُنخفضة؛ مما يتفق مع نتائج بحث La Porta and schleifer (2014).
أما على مستوى المنشأة غير الرسمية، فتلك الظاهرة تقود إلى المنافسة غير العادلة من قبل الشركات غير الرسمية لتلك المنضوية في إطار الاقتصاد الرسمي، وعدم الوصول إلى الدعم الرسمي، والحد من النمو والإنتاجية والابتكار. 
 
إن حجم المنشآت الاقتصادية غير الرسمية في مصر يصل لقرابة 2 مليون منشأة، وهو ما يمثل 53% من إجمالي المنشآت الاقتصادية، كما أن عدد العاملين في هذا القطاع بلغ نحو 4 ملايين عامل، وهو ما يعادل 29.3% من إجمالي العاملين في المنشآت الاقتصادية، وقد أشار التعداد الاقتصادي لعام 2018 إلى أن هناك ما يقدر بنسبة 53% من المشروعات التي تنتمي للقطاع غير الرسمي، ومن ثَم فهناك انخفاض لمردود الحكومة عن طريق الضرائب؛ أخذا في الاعتبار أن دمج هذه المشروعات في القطاع الرسمي سوف يسهم في زيادة إنتاجيتها ويعظم من الإيرادات العامة للدولة. 
أما على المستوى المعيشي للأسرة، فإن العمالة غير الرسمية تحصل على أجور منخفضة وظروف عمل غير آمنة، حيث إن 63% من إجمالي المُشتغلين في جميع القطاعات يعملون بشكل غير رسمي (بدون تأمين اجتماعي أو إجازات مدفوعة الأجر)، وتصل تلك النسبة إلى 50% في حالة العمالة غير الزراعية، مع عدم وجود حق قانوني للعمالة، إذ إن العاملين خارج المنظومة الرسمية غير محميين بقوانين العمل وغير منضمين للنقابات العمالية والمهنية المختلفة، كما أنهم غير متمتعين بالحماية الاجتماعية، إذ إنهم غير مؤمن عليهم. 
 
ويوضح الشكل أن حوالي 45% من العمالة غير الرسمية في قطاع الزراعة ويليه الصناعة 25% ثم الخدمات 31%، وبالنسبة للتوزيع النوعي للعمالة غير الرسمية في القطاعات المختلفة، فإن قطاع الزراعة يستحوذ على النسبة الكبرى من عمالة الإناث غير الرسمية، وذلك بحوالي 80%.
وعليه، فإن برنامج الإصلاحات الهيكلية تناول تلك الظاهرة بدءا بتحليل أسباب انتشار العمل خارج المنظومة الرسمية، مرورا بتحديد سياسات دمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية، وصولا لاقتراح عدد كبير من الإجراءات الإصلاحية التي تهدف لدمج هذا القطاع في المنظومة الاقتصادية الرسمية، أخذًا في الاعتبار أن منظومة القطاع غير الرسمي معقدة ومتشابكة، إضافة إلى كونها ضخمة، ولهذا فلا يمكن التصدي لها بمجرد إجراء واحد، وإنما هناك حزمة من الإجراء في إطار البرنامج تهدف لتحقيق ذلك، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب، منها: أن هذا الدمج يتيح تقديم الدعم لأصحاب المشروعات غير الرسمية لمساعدتهم على النمو والتوسع، وفي نفس الوقت يحافظ على حقوق الدولة، وأيضًا على حقوق العمالة، بأن يكون لديها عقود رسمية ومعاش ثابت من خلال منظومة التأمينات الاجتماعية.
 
ومن أهم المجالات المتضمنة في البرنامج بهدف إدماج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية، توفير بيئة تشريعية ملائمة للتحول للاقتصاد الرسمي تتمثل في تفعيل اللائحة التنفيذية لقانون تنمية المشروعات الصغيرة من مجلس الوزراء برقم 654 لسنة 2021 وما تضمنته من إجراءات تنفيذية لتفعيل مواد القانون، وإتاحة تراخيص المشروعات من خلال وحدات تقديم الخدمات بجهاز تنمية المشروعات بشكل ميسر وسهل من خلال شباك واحد يتيح ترخيص للمشروعات الجديدة مدته سنة وللمشروعات بالقطاع غير الرسمي لمدة تصل إلى 5 سنوات.
وتهدف حزمة التيسيرات والتسهيلات لأصحاب المشروعات إلى التيسير على المواطنين وتشجيع الشباب، لتوفيق أوضاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر العاملة في مجال الاقتصاد غير الرسمي عن طريق حل مشاكله المختلفة، والتي يتمثل أهمها في التأسيس القانوني للمشروع  والتعامل الحكومي مع إقامة مشروع رسمي، وقد أوجد القانون ولائحته التنفيذية حلولا لهذه المشاكل من خلال وحدات تقديم الخدمات الموجودة في جهاز تنمية المشروعات، حيث أتاح القانون لهذه الوحدات منح المشروعات الجديدة رخصة لمدة عام ومشروعات القطاع غير الرسمي رخصة لمدة 5 أعوام،  وهذه الرخصة يعتد بها القانون، وتعامل معاملة الرخصة النهائية ولا يمكن إيقافها إلا من خلال جهاز تنمية المشروعات.
 
كما تضمن القانون حلا لمخاوف أصحاب المشروعات من التعامل الضريبي لمشروعات الظل والقطاع غير الرسمي، حيث نجح المُشرع في الوصول إلى إقرار معاملة مبسطة أو ضريبة مبسطة لأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، حيث إن التعامل الضريبي من أبرز معوقات الاندماج في المنظومة الرسمية.
 
كما أن البرنامج يتضمن العديد من الإجراءات التي تكفل تسريع وتيرة الشمول المالي، ومنها البدء في تفعيل الأنشطة الرقمية، وخاصة تطبيق نشاط التمويل الجماعي، من خلال منصات إلكترونية رقمية لإتاحة التمويل بصفة خاصة للمشروعات المتوسطة والصغيرة (Crowd Funding)، وكذلك تكنولوجيا التأمين (Insurance Tech) لتوسيع نطاق المتعاملين مع قطاع التأمين، وتكنولوجيا التمويل الاستهلاكي (Consumer Finance Tech) لزيادة القوى الشرائية للمستهلكين، بما يترتب عليه زيادة الطلب على الإنتاج والخدمات، وأنشطة المستشار المالي الرقمية (Robo Advisory)  لتنشيط خدمات الاستشارات المالية في مجال أدوات سوق رأس المال، بالإضافة إلى نشاط التمويل الأصغر الرقمي (Nano Finance)  لإتاحة التمويل الرقمي لتمويل المشروعات الأصغر من بين المشروعات متناهية الصغر، وذلك إلى جانب إنشاء الهيئة وتفعيل مختبر تنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية الرقمية (Regulatory Sandbox).
 
كما يتضمن البرنامج استخدام أفرع البريد المصري كمنافذ للخدمات المقدمة من الشركات المقدمة لخدمات: التمويل متناهي الصغر - التأمين متناهي الصغر - التمويل الاستهلاكي متناهي الصغر؛ مما يسهم في إتاحتها للمواطنين بجميع أنحاء الجمهورية.
بالإضافة إلى العديد من الإجراءات الخاصة بالدمج المالي لصغار المزارعين، بما يتيح حصولهم على التمويل الميسر، ويمثل حافزًا مهما للاندماج في المنظومة الرسمية.
إن دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية يساعد الدولة المصرية على حل العديد من التحديات منها الفقر متعدد الأبعاد والبطالة ويزيد الصادرات ويقلل من عجز الموازنة، بجانب زيادة الحصيلة الضريبية.
وذلك بهدف خلق اقتصاد مرن منتج قادر على المنافسة داخليا وخارجيا، وبالتالي قادر على تحقيق معدلات نمو مستدام ووظائف لائقة ترفع من مستويات المعيشة، وهو الهدف الأول والأخير من برنامج الإصلاح: الحياة اللائقة الكريمة لكل المواطنين في مصر.

تقييم الموقع