الثلاثاء. 19 أبريل., 2022
أ. السيد صدقي عابدين
في الثامن والعشرين من مارس الماضي (2022) اجتمع وزراء الطاقة في مجموعة الدول الصناعية السبع عبر تقنية الفيديو كونفرانس ليعلنوا عن رفضهم المطلب الروسي الخاص بدفع ثمن الغاز بالعملة الروسية، وليؤكدوا أهمية الالتزام بالعقود الموقَّعة، وأن يتم الدفع إما بالدولار أو باليورو، مطالبين الشركات التي تتعامل في استيراد الغاز الروسي بعدم الاستجابة لما يطالب به الرئيس "فلاديمير بوتين". وقبل أيام كانت قمة مجموعة السبع الصناعية التي عُقدت في بروكسل قد أصدرت بيانًا في الرابع والعشرين من الشهر ذاته غطى كل جوانب الصراع الدائر في أوكرانيا وتداعياته، وحدد طريقة تعامل أعضاء المجموعة مع هذا الصراع. فكيف تتعامل دول السبع مع المسألة الأوكرانية؟ وهل ثمَّة اختلافات فيما بينها؟ وما الذي يمكن أن تسهم به في الوصول بهذه المسألة إلى طريق التهدئة ومن ثَمَّ التسوية والحل؟
في الثامن والعشرين من مارس الماضي (2022) اجتمع وزراء الطاقة في مجموعة الدول الصناعية السبع عبر تقنية الفيديو كونفرانس ليعلنوا عن رفضهم المطلب الروسي الخاص بدفع ثمن الغاز بالعملة الروسية، وليؤكدوا أهمية الالتزام بالعقود الموقَّعة، وأن يتم الدفع إما بالدولار أو باليورو، مطالبين الشركات التي تتعامل في استيراد الغاز الروسي بعدم الاستجابة لما يطالب به الرئيس "فلاديمير بوتين". وقبل أيام كانت قمة مجموعة السبع الصناعية التي عُقدت في بروكسل قد أصدرت بيانًا في الرابع والعشرين من الشهر ذاته غطى كل جوانب الصراع الدائر في أوكرانيا وتداعياته، وحدد طريقة تعامل أعضاء المجموعة مع هذا الصراع. فكيف تتعامل دول السبع مع المسألة الأوكرانية؟ وهل ثمَّة اختلافات فيما بينها؟ وما الذي يمكن أن تسهم به في الوصول بهذه المسألة إلى طريق التهدئة ومن ثَمَّ التسوية والحل؟
تجدر في البداية الإشارة إلى أن روسيا كانت قد انضمت إلى مجموعة السبع الصناعية، وتحوَّل اسم المجموعة إلى مجموعة الثماني. وقد استضافت مدينة سان بطرسبرج إحدى قمم هذه المجموعة. وكانت آخر قمة تحضرها روسيا تلك التي عُقِدت عام 2013، ثَمَّ جاءت الأزمة الأوكرانية وتداعياتها عام 2014، ومن بينها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ومع انفصام عرى علاقة روسيا بمجموعة الثماني (السبع) باتت الأخيرة - وعلى مدار سنوات- تقف لروسيا بالمرصاد في كل ما تقوم به تجاه الملف الأوكراني.
خلال هذه السنوات ظلَّت دول المجموعة تؤكد الوحدة في مواجهة روسيا من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية تأييد ودعم أوكرانيا؛ حيث وقفت بوجه روسيا سياسيًّا واقتصاديًّا، فضلًا عن التأييد وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لأوكرانيا. ومن ثَمَّ فإن ما تقوم به دول المجموعة منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في الرابع والعشرين من فبراير 2022 هو امتداد لنهج المجموعة مع اختلاف في الدرجة والكثافة والمحتوى، سواء من حيث الإجراءات التي يتم اتخاذها تجاه روسيا أو المحفزات والمساعدات التي يتم تقديمها إلى أوكرانيا.
وقبل الدخول في تفاصيل مواقف تلك الدول فيما يجري من تطورات على صعيد المسألة الأوكرانية يجدر الوقوف أيضًا عند مسألة أخرى ذات دلالة تتمثل في طابع الشخصنة فيما يتعلق بما تقوم به روسيا؛ حيث يُشار إلى "حرب بوتين" فيما يتعلق بما أسمته روسيا العملية العسكرية الخاصة، و"قرار بوتين" فيما يتعلق بمسألة دفع ثمن الغاز بالروبل، ولا يمكن فصل ذلك عن مجمل التوجُّه الغربي حيال المسألة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصف رئيسها "جو بايدن" الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بأوصاف غير معهودة في العرف الدبلوماسي.
وهنا يأتي مبرر هذه الدول في فرض عقوبات على الرئيس الروسي والدائرة القريبة منه، فيما يسمى بضرورة أن يدفع "بوتين" ثمن قراراته وسياساته التي يرونها خاطئة. لكن يبقى السؤال هل مثل هذه العقوبات من شأنها أن تؤثر على قرارات القيادة الروسية؟ ثم يأتي السؤال الثاني هل يقف تأثير العقوبات عند دائرة الرئيس "بوتين"، أو حتى كل المسؤولين الروس والجيش الروسي؟ أم أن ذلك سيطال الشعب الروسي كله؟ خاصة في ظل الطيف العريض من العقوبات التي تصل إلى حد عزل روسيا. والتساؤل الثالث يتمثل في علاقة كل ذلك بالأحاديث الغربية عن حرية التجارة. ورابع الأسئلة مرتبط بتأثير العقوبات على الدول النامية والفقيرة، خاصة أن روسيا وأوكرانيا تمثلان مصدرين رئيسين للكثير من المواد الغذائية.
أولًا: من قمة بروكسل 2014 إلى قمة بروكسل 2022
في قمة بروكسل 2014 رفضت دول المجموعة ما اعتبرته تدخلًا روسيًّا في الشؤون الداخلية الأوكرانية، مع إدانة استمرار انتهاك روسيا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ورفْض ضمها لشبه جزيرة القرم، ودعمها للجماعات الانفصالية في شرق أوكرانيا، معتبرة أن الممارسات الروسية تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ومن ثَمَّ على روسيا أن تعترف بنتيجة الانتخابات الأوكرانية، وأن تسحب قواتها إلى الحدود الدولية مع أوكرانيا، وتتوقف عن ضخ الأسلحة ودعم الانفصاليين عبر الحدود. وحول العقوبات التي كانت قد فرضتها دول المجموعة على الأشخاص والكيانات الروسية ذات الصلة بما يجري في أوكرانيا، أعلن بيان القمة عن الاستعداد لتغليظ تلك العقوبات ما دامت روسيا لم تستجب، وحثَّ روسيا على الالتزام بإعلان جنيف والتعاون مع الحكومة الأوكرانية من أجل إحلال السلام والوحدة. وقد تكررت هذه المناشدات على مدار السنوات الماضية خلال التفاهمات والاتفاقات اللاحقة، وعلى رأسها اتفاقات مينسك.
وبالنسبة لهذه الاتفاقات، ستبقى الإشكالية المطروحة تتمثل فيمن يتحمل مسؤولية عدم تطبيق بنودها على أرض الواقع، فروسيا من جانبها تُحمِّل السلطات الأوكرانية ومن ورائها الدول الغربية، وعلى رأسها دول مجموعة السبع، مسؤولية تعطيل تطبيق هذه الاتفاقات، وفي المقابل تُحمِّل تلك الدول روسيا المسؤولية. وبغض النظر عمن يتحمل المسؤولية، والتي على الأغلب يتحملها الجميع، وإن كان بدرجات مختلفة، فقد وصلت الأمور إلى حد انفجار الأزمة والدخول في مرحلة الحرب مع كل ما رافقها من دمار وفرار.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن قمة بروكسل 2014 كانت قد أعلنت عن مساندتها للحكومة والشعب الأوكراني والسيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها، وناشدت نزع سلاح المجموعات المسلحة، وتشجيع السلطات الأوكرانية على الاستمرار في المحافظة على النظام والقانون، مع حثها على ضرورة الاستمرار في الحوار الوطني الجامع، وكذلك أهمية أن تقوم الحكومة والبرلمان الأوكراني بالإصلاحات الدستورية اللازمة من أجل ضمان حقوق وتطلعات المواطنين في شتى أرجاء أوكرانيا.
هذا وقد كان الدعم الاقتصادي المقدَّم لأوكرانيا واضحًا في القمة، سواء عبر المنظمات الدولية - وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي أقر برنامجًا بقيمة 17 مليار دولار لصالح أوكرانيا - ناهيك عن المساعدات الفردية التي قدَّمتها دول المجموعة، سواء في شكل تمويل أو معدات، بما فيها المعدات العسكرية. وقد استمر تقديم هذا الدعم وصولًا إلى الأزمة الراهنة، حيث استخدم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" سلطات استثنائية لصرف دفعات من المساعدات لأوكرانيا، بلغت قيمتها منذ بداية عام 2021 أكثر من ملياري دولار.
ومنذ عام 2014 كان دعم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حاضرًا ضمن أجندة مجموعة السبع، من أجل خفض التوتر عبر عمليات المراقبة التي تقوم بها، وهو الأمر الذي استمر على مدار سنوات، حيث ظلت المسألة الأوكرانية على جدول أعمال المجموعة، وظلت ذات العناصر قائمة، وإن كانت اللهجة حيال روسيا قد خفتت في بعض السنوات، أو أضيف إليها إشارات تشجيعية، بحيث لم تعد الرسائل كلها تهديدية، كما حدث على سبيل المثال في اجتماع وزراء خارجية المجموعة في إيطاليا، في أبريل 2017، عندما أشاروا إلى أهمية روسيا كفاعل دولي لا غنى عن التعاون معه من أجل حل الأزمات الإقليمية والتعامل مع التحديات العالمية. وهذا عكس ما يحدث الآن تمامًا، حيث لا تخفى إجراءات عزل روسيا، ليس على صعيد علاقات مجموعة السبع معها فقط، وإنما بالضغط على دول أخرى، وتحذيرها من الاستمرار في التعامل مع روسيا أو تطوير علاقاتها معها.
ثانيًا: مجموعـة السـبع والحـــرب الروسية الأوكرانية
لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية مفاجئة لدول مجموعة السبع، بل إن بعضها قد تحدث عن احتمالاتها وسيناريوهاتها قبل اندلاعها بأسابيع، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا. وبالنسبة لدول المجموعة جاء التوصيف واضحًا ولا لبس فيه، إذ إنها تُعدُّ عدوانًا غير شرعي وغير مبرر، "إنها حرب بوتين ضد دولة مستقلة ذات سيادة".
إن الحرب في أوكرانيا ليست مجرد عمليات قتالية تقليدية، وإنما هناك قضايا كثيرة أُثيرت فيما يتعلق بالأسلحة غير التقليدية، بما في ذلك النووية والبيولوجية والكيميائية، ونتج عن الحرب دمار واسع، وفرار بالملايين داخليًّا وخارجيًّا، وفُتِح الباب على مصراعيه لاستجلاب مقاتلين أجانب من قِبل طرفي الحرب المباشرين، وهناك دول اتُهِمت بالمشاركة في دعم عمليات عسكرية، وارتفعت أسعار الطاقة، وأصبح الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية مهددًا في ظل الشد والجذب بين الجانبين، ودخول أمريكا على الخط. هذه القضايا جرى سجال كبير حولها في المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة وخاصة في مجلس الأمن والجمعية العامة، كما دخلت محكمة العدل الدولية على الخط، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية، واستنفرت مؤسسات "بريتون وودز" ممثلة في الصندوق والبنك الدوليين، وكل هذه القضايا كانت مجموعة السبع في القلب منها، والمحرك الرئيس للكثير منها.
وبالنسبة لقضية العقوبات المفروضة على روسيا، انطلقت دول مجموعة السبع من ضرورة التطبيق الصارم لها، من أجل محاسبة "بوتين" ومناصريه في الداخل والخارج، واستمرار العمل مع الشركاء في شتى أرجاء العالم، ومراقبة تطبيق العقوبات، ومراجعة الإجراءات بما في ذلك المعاملات الخاصة بالذهب من قِبل البنك المركزي الروسي. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما تم فرْض حزم متوالية من العقوبات أشد غلظة، مع دعوة باقي الدول لكي تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية فرْض عقوبات على بيلاروسيا. ليس هذا فحسب بل إن مجموعة السبع أعلنت صراحةً أنها تدعم المعارضين للعدوان على أوكرانيا من الروس والبيلاروس، مع إدانة ما يُتخذ من إجراءات ضد هؤلاء المعارضين. ويُلاحظ هنا أن مثل هذا النوع من الدعم ما هو إلا امتداد لدعم متواصل لكل من يعارض النظامين في روسيا وبيلاروسيا.
اعتَبَرت دول المجموعة أن الهجمات الروسية على أوكرانيا تهدد أمن وسلامة المواقع النووية الأوكرانية، فضلًا عن مخاطرها الكارثية على السكان والبيئة، مع التحذير من استخدام أي من أسلحة الدمار الشامل، ودعوة روسيا إلى الالتزام بالمعاهدات الدولية المعنية في هذا الصدد.
هذا ولم يكن وقوف مجموعة السبع مع أوكرانيا مجرد كلمات، وإنما كانت هناك إجراءات تُتخَذ، ومعدات تُنقَل، وأموال تُرصَد. ولم يقف الأمر عند الجوانب المادية المرتبطة بالعمليات العسكرية مباشرة، وإنما كان هناك اهتمام بجوانب أخرى، مثل الأمن السيبراني، من حيث دعم أوكرانيا ضد الهجمات السيبرانية. وفي هذا الصدد فقد أعلنت دول مجموعة السبع نفسها عن حالة استنفار ضد هجمات سيبرانية محتملة قد تطالها، مؤكدة أن المسؤولين عن مثل هذه الهجمات سوف يتعرضون للحساب. ولم يقف الدعم عند أوكرانيا، وإنما امتد إلى دعم الدول المجاورة والتي تحملت عبئًا كبيرًا جرّاء لجوء أعداد كبيرة من الأوكرانيين إليها، وخاصة بولندا، والتي خصَّها الرئيس الأمريكي بزيارة بعد قمة السبع في بروكسل.
ورغم تخوف بعض دول مجموعة السبع من تأثير العقوبات على واردات الطاقة، وخاصة الغاز من روسيا، فإنها أعلنت عن المزيد من الإجراءات لتخفيض الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة، ورغم أن دول المجموعة رفضت السداد بالروبل كما طالبت روسيا، لكن الأخيرة مددت مهلة تنفيذ القرار، معلنة أنها لن تقطع إمدادات الغاز. ورغم كل الجهود الأمريكية غير المسبوقة، فإنه لا يمكن لدول أوروبية كثيرة الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية في المدى القصير وربما المتوسط أيضًا. وتجدر الإشارة إلى أن الجهود الأمريكية لم تقف عند حد السحب غير المسبوق من احتياطها النفطي، أو العمل على زيادة شحنات الغاز الأمريكية إلى أوروبا، وإنما كانت هناك ضغوط على دول مثل الهند حتى تقلل من استيرادها من النفط الروسي. الموقف الهندي من هذه المسألة ومن مجمل ما يجري في أوكرانيا مختلف تمامًا عن مواقف مجموعة السبع الصناعية، لكن لُوحظ أن من بين دول المجموعة من أظهر مؤشرات على عدم التخلِّي عن مشروعات الطاقة في روسيا، كما هو الحال بالنسبة لليابان، فيما يتعلق بمشروع للغاز في منطقة الشرق الأقصى الروسي.
حمَّلت مجموعة السبع الرئيس "بوتين" مسؤولية ما حدث من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، ليس هذا فحسب بل إنها حمَّلته أيضًا مسؤولية تعريض التعافي العالمي الذي كانت مؤشراته قد بدأت في الظهور بعد جائحة كورونا للخطر. وهذا من منظور دول المجموعة منطقي ومتسلسل كما سبقت الإشارة، لكن ما يثير الاستغراب أن دول المجموعة وفي إطار ما يمكن توصيفه بمساعيها للتعامل مع تلك الآثار التي سببتها الحرب، ذكرت مؤسسات دولية مثل منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي يثير الاستغراب؛ نظرًا لأن هناك أسئلة كثيرة تُطرح حول مدى اتفاق ما تقوم به دول مجموعة السبع حيال روسيا وبيلاروسيا مع قواعد منظمة التجارة العالمية وقواعد حرية التجارة التي ترفع هذه الدول لواءها.
هذا ولا تختلف مواقف دول مجموعة السبع عن مواقف دول حلف شمال الأطلسي؛ حيث أن ستًّا منها أعضاء في الحلف، والدولة السابعة تتمتع بعلاقة تحالفية قديمة مع الولايات المتحدة، المحرك الأساسي للحلف، ومن ثَمَّ فإن هناك تناغمًا أو مسايرة لما تريده واشنطن، لكن تبقى هناك بعض الخصوصيات لكل دولة. وعلى سبيل المثال فبينما كانت هناك قطيعة بين الرئيسين الأمريكي والروسي، فإن كلًّا من الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني استمرا على تواصل مع الرئيس الروسي، وبطبيعة الحال المسألة ليست شخصية، وإنما ترتبط باعتبارات جيوسياسية وجيواقتصادية تاريخية ومستقبلية. وهذا ما يطرح الجدل بشأن قضية الدور الخارجي في الأزمة الأوكرانية، وما إذا كان من بين الأسباب التي أوصلت الأمور إلى نقطة الحرب. وفي الوقت ذاته ما إذا كانت طبيعة هذا الدور من شأنها أن توقف الحرب وتساعد في عملية التسوية والحل.
الرواية الروسية على هذا الصعيد واضحة تمامًا، ونقطة الانطلاق والانتهاء فيها أنها لم تجد بُدًا من الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي أمام هذا التوسع المتواصل لحلف شمال الأطلسي، والتحريض الغربي المتواصل لأوكرانيا إلا ما أقدمت عليه. يمكن مناقشة هذه الفرضية من جوانب عدة لكن ليس هذا موضعها. في المقابل فإن دول مجموعة السبع تصر على أنها كانت تدافع عن مبادئ وقيم، وأنها لا تستهدف المصالح الروسية، وأن موسكو لم تلتزم بالتفاهمات ولم تقم لقواعد القانون الدولي أي اعتبار. ولن يكون هناك خوض في مناقشة هذا الطرح أيضًا، لكن ألم يكن في مقدور دول مجموعة السبع اتباع نهج آخر يساعد في تهدئة المخاوف الروسية حتى ولو كانت متوهمة لئلا تصل الأمور إلى الانفجار؟ وفي المقابل ألم يكن بمقدور روسيا ضبط النفس أكثر من ذلك وعدم الدخول إلى الأراضي الأوكرانية؟ المطروح في مناقشة هذين السؤالين الكثير والكثير. والأكيد أنه كان من الممكن تجنب وقوع الحرب لو أن كل الأطراف لم تأخذ المسألة باتجاه الحافة. وهنا لا يجب إغفال مسألة مهمة وهي أن الأمر أكبر من أوكرانيا. الأمر يرتبط بترتيبات وتسويات مرحلة يصر طرف على أن تتم وفقًا لقواعد سابقة، بينما هناك طرف آخر يرى أن القواعد القديمة قد ولَّى زمانها في ظل إدراك لتغيرات في موازين القوى الشاملة في التفاعلات الدولية. أخذًا في الاعتبار أن روسيا والصين لا تخفيان منذ سنوات امتعاضهما من نظام الأحادية القطبية، مع إصرارهما على إقامة نظام دولي تعددي، ومن ثَمَّ فإن الوقوف الأمريكي والغربي مع أوكرانيا بعد اندلاع الحرب ذو أبعاد بعيدة كثيرًا عن كييف. ومن هنا يثور التساؤل هل إذا ما سوَّت أوكرانيا أمورها مع روسيا فهل سيتم رفع العقوبات الغربية أم أن الغرب سوف يضم أوكرانيا ذاتها إلى قائمة الدول التي تطالها عقوباته؟
وختامًا، يثور التساؤل كيف سيكون تعامل دول المجموعة مع أطراف الحرب في أوكرانيا في حال تم التوصل إلى تسوية؟ وهل سيستمر التناغم في درجته العالية أم ستظهر تباينات فيما بينها؟ وهل من قبيل المجازفة طرح السؤال عن المدى الزمني الذي يمكن أن تعود فيه روسيا إلى عضوية مجموعة السبع لتصبح مرة أخرى مجموعة الثماني، خاصة أن الخروج الروسي كان على خلفية بدء الأزمة الأوكرانية منذ سنوات؟ أم أن روسيا حتى لو سوَّت أمورها مع أوكرانيا فلن تعد إلى تلك المجموعة حتى ولو دُعيَت إليها؟ اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم تتميز بعدم اليقين، وفي مثل هذه الظروف تبقى كل الأسئلة مطروحة وتبقى كل السيناريوهات قائمة