IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

اللاجئون الأوكرانيون .. أزمة أوروبية جديدة تلوح في الأفق

 الثلاثاء. 19 أبريل., 2022

اللاجئون الأوكرانيون .. أزمة أوروبية جديدة تلوح في الأفق

 أ. أســمـاء رفـاعـــي الشـــحري

منذ اللحظات الأولى لقرع طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تفاقمت المخاوف داخل أروقة الاتحاد الأوروبي بشأن التداعيات المحتملة للأزمة على أوكرانيا وعموم أوروبا، واحتل ملف اللاجئين صدارة الاهتمام الأوروبي في هذا الشأن، لا سيَّما وأن موجة اللاجئين الأوكرانيين التي تمخضت عن الأزمة الأوكرانية تُعد الأكبر في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث تجاوز عدد اللاجئين الأوكرانيين ما يربو على 4 ملايين شخص منذ بدء العمليات العسكرية، في 24 فبراير 2022، وتشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أن هذا العدد سيصل إلى 7 ملايين لاجئ، وأفادت الأمم المتحدة بأن غالبية اللاجئين من الأطفال والنساء؛ إذ يُمنع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين (18 - 60) عامًا من مغادرة أوكرانيا؛ ويخضعون للتجنيد العسكري الإلزامي، بموجب قرار الرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي".

منذ اللحظات الأولى لقرع طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تفاقمت المخاوف داخل أروقة الاتحاد الأوروبي بشأن التداعيات المحتملة للأزمة على أوكرانيا وعموم أوروبا، واحتل ملف اللاجئين صدارة الاهتمام الأوروبي في هذا الشأن، لا سيَّما وأن موجة اللاجئين الأوكرانيين التي تمخضت عن الأزمة الأوكرانية تُعد الأكبر في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث تجاوز عدد اللاجئين الأوكرانيين ما يربو على 4 ملايين شخص منذ بدء العمليات العسكرية، في 24 فبراير 2022، وتشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أن هذا العدد سيصل إلى 7 ملايين لاجئ، وأفادت الأمم المتحدة بأن غالبية اللاجئين من الأطفال والنساء؛ إذ يُمنع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين (18 - 60) عامًا من مغادرة أوكرانيا؛ ويخضعون للتجنيد العسكري الإلزامي، بموجب قرار الرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي". 

دول الجوار تستحوذ على نصيب الأسد من اللاجئين الأوكرانيين

في ضوء السباق الأوروبي لغوث اللاجئين الأوكرانيين، احتلَّت دول الجوار الأوكراني صدارة المشهد، إذ تشترك أوكرانيا في حدودها البرية مع أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي: رومانيا، وسلوفاكيا، والمجر، وبولندا، بالإضافة إلى حدودها الجنوبية مع مولدوفا؛ حيث عمدت تلك الدول إلى إقرار جُملة من الإجراءات لغوث اللاجئين منذ الإرهاصات الأولى للأزمة الأوكرانية، والتي تُمثِّل بدورها أكبر تحدٍ لوجستي واجهته دول أوروبا الشرقية في العصر الحديث، فقامت كلٌّ من بولندا ورومانيا بتدشين مراكز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين تصل سعتها إلى مليون شخص، فيما أنشأت المجر وسلوفاكيا مرافق مماثلة تستوعب نحو 600 ألف، و500 ألف شخص على الترتيب، كما عمدت بعض الدول الأوروبية إلى تدشين ملاجئ مؤقتة للاجئين، وأماكن مخصصة للإقامة على المديين القصير والطويل. 

هذا، وقد أعلنت الدول الأوروبية "سياسة الحدود المفتوحة" أمام اللاجئين الأوكرانيين، والتخلِّي عن شرط سلبية اختبار فيروس كورونا لهم، وعمدت تلك الدول إلى تعبئة جيوشها الوطنية لمساعدة اللاجئين الوافدين في مراكز الاستقبال المؤقتة التي تمّ إنشاؤها على طول الحدود الأوروبية الأوكرانية المشتركة. 

أولًا: بولندا.. أرض آمنة للاجئين الأوكرانيين

تشير التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن بولندا وحدها استقبلت ما يربو على نصف عدد اللاجئين الأوكرانيين، وقامت بتدشين مراكز لاستقبال وإيواء اللاجئين على طول حدودها المشتركة مع أوكرانيا، والبالغة نحو 300 ميل، وخففت وارسو القيود المفروضة على حدودها، وسمحت لجميع الأوكرانيين الفارين من الحرب بدخول أراضيها، حتى أولئك الذين ليس لديهم أي وثائق رسمية؛ نظرًا لخطورة الأوضاع في الداخل الأوكراني، وألغت شرطها الخاص بسلبية اختبار فيروس كورونا. 

ولم تقتصر جهود الإغاثة على السلطات البولندية فحسب، وإنما شارك المواطنون البولنديون والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر، في توفير مواد الإغاثة، والخدمات الصحية، والأدوية، والعديد من الاحتياجات المادية، كالملابس، والغذاء. هذا، وقد أعلن سكان العاصمة البولندية وارسو عن توافر نحو 2500 شقة يمكن للاجئين الإقامة بها، وتمّ نشر دليل بأماكن الفنادق والمنازل المُتاحة للاجئين عبر شبكة الإنترنت. 

وتجدر الإشارة إلى أن بولندا تُعد موطنًا لنحو مليون أوكراني، فرّ العديد منهم إلى الأراضي البولندية في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى احتمالية انضمام ما يصل إلى ثلاثة ملايين أوكراني إليهم جراء العمليات العسكرية الراهنة. 

ثانيًا: رومانيا.. تضامن شعبي قوي

تُمثِّل رومانيا الوجهة الثانية للاجئين الأوكرانيين بعد بولندا؛ إذ تجاوز عدد اللاجئين الوافدين إليها ما يربو على نصف مليون شخص، وقُوبل اللاجئون الأوكرانيون بترحيب حار من قِبل السلطات الرومانية والشعب على حدٍ سواء؛ حيث تشكَّلت لجنة ترحيب مؤقتة مكونة من السلطات الرومانية، والمنظمات غير الحكومية، والجماعات الكنسية، والمواطنين لمقابلة اللاجئين الأوكرانيين، واصطف المتطوعون لتقديم الغذاء والإقامة المجانية لهم. 

ورغم أن بوخارست أبدت تضامنها مع الحكومة الأوكرانية من خلال تقديم الدعم في مجال الأمن السيبراني، فإن جهودها في إغاثة اللاجئين وتوفير المسكن الملائم لهم لم ترق إلى مستوى نظرائها من دول أوروبا الشرقية، وإنما تفوقت جهود الإغاثة الشعبية على الحكومية في هذا الشأن، فعمد المواطنون الرومانيون إلى التواصل مع جيرانهم الأوكرانيين مباشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي لتقديم المساعدات اللازمة لهم. 

ثالثًا: مولدوفا.. مقر مؤقت للاجئين الأوكرانيين

رغم تردي الأوضاع الاقتصادية في مولدوفا، باعتبارها واحدة من أفقر الدول الأوروبية، تدفق إليها ما يتجاوز 394 ألف لاجئ أوكراني، لتصبح بذلك الوجهة الثالثة للاجئين الأوكرانيين بعد بولندا ورومانيا، ولكنها بالنسبة لثلثي حالات اللجوء لم تعدو كونها محطة استراحة للاجئين الأوكرانيين في طريقهم إلى دول الاتحاد الأوروبي، ويؤول ذلك بصفة رئيسة إلى تفاقم المخاوف من عملية روسية وشيكة في مولدوفا، لا سيَّما في أعقاب إعلان رئيسة البلاد "مايا ساندو" حالة الطوارئ، وإغلاق المجال الجوي للبلاد. 

وفيما يخص جهود تشيسيناو في غوث اللاجئين الأوكرانيين، تنفق مولدوفا نحو 4 ملايين دولار يوميًا لدعم اللاجئين الأوكرانيين، كما سمحت للأوكرانيين بدخول البلاد بوثائق الهوية الوطنية فقط دون جوازات سفر، وتخلّت عن الشروط الخاصة بتقديم شهادة التطعيم ضد فيروس كورونا أو ثبوت سلبية الاختبارات ذات الصلة، كما قدَّمت خدمات الرعاية الصحية للاجئين، هذا بالإضافة إلى الجهود الشعبية في غوث اللاجئين؛ حيث عرض العديد من المواطنين عبر منصات التواصل الاجتماعي توفير المسكن والملابس والغذاء للأوكرانيين الفارين من الحرب. 

رابعًا: المجر .. العدول عن الموقف المناهض للهجرة

على النقيض من موقف المجر المناهض للهجرة في السابق، والذي دفع البرلمان الأوروبي للتباحث بشأن اتخاذ إجراءات تأديبية ضد سياسة المجر المناهضة للمهاجرين، فتحت بودابست حدودها أمام الأوكرانيين الفارين من الحرب، لتصبح الوجهة الرابعة للاجئين الأوكرانيين؛ حيث استقبلت ما يربو على 390 ألف لاجئ في غضون شهر من اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.  

ورغم عزوف بودابست عن إرسال مساعدات عسكرية إلى كييف، فإنها أقرت جُملة من الإجراءات لدعم اللاجئين، وذلك عبر العدول عن بعض قواعد الهجرة الصارمة الخاصة بها، وفتح الحدود أمام الأوكرانيين الذين لا يحملون وثائق رسمية أو شهادات تطعيم ضد فيروس كورونا. 

خامسًا: سلوفاكيا

تُعد الوجهة السادسة للاجئين الأوكرانيين؛ إذ تجاوز عدد اللاجئين الأوكرانيين الوافدين إليها 300 ألف شخص، فقد رحبت بجميع اللاجئين الأوكرانيين، وقدَّمت وزارة المالية السلوفاكية دعمًا نقديًا قدره 200 يورو شهريًّا لجميع المنازل والمؤسسات السلوفاكية التي تستضيف مواطنًا أوكرانيًا، كما قدَّمت منحة مالية قدرها 100 يورو شهريًّا لمن يستقبل الأطفال اللاجئين من أوكرانيا.  

"آلية الحماية المؤقتة".. خطة أوروبية لغوث اللاجئين

شهد الاتحاد الأوروبي خلال السنوات القليلة المُنصرمة موجات متلاحقة من المهاجرين واللاجئين؛ إذ تفاقمت أزمة اللجوء في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2015، وزادت وطأتها خلال العام الماضي 2021، مع موجة اللاجئين الأفغان جراء سقوط كابول في أيدي حركة طالبان، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين العالقين على الحدود البولندية-البيلاروسية، ولكن على النقيض من الأزمات سالفة الذكر، فإن أزمة اللاجئين الأوكرانيين هي الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، علاوةً على ذلك فإن الأوكرانيين يتمتعون بميزة الدخول إلى منطقة شنجن بدون تأشيرة، والإقامة بها نحو 90 يومًا بصورة قانونية، ومن ثمّ، فإن بروكسل لا يمكنها وقف تدفق الموجة الراهنة من اللاجئين إلى أراضيها، ومن الجدير بالذكر أن الحرب في أوكرانيا تمثِّل سابقة هي الأولى من نوعها لدولة مجاورة للاتحاد الأوروبي، ومُعفاة من شروط تأشيرة شنجن. 

وفي إطار مساعي الاتحاد الأوروبي للتعاطي مع هذا الوضع المأزوم، وتقديم حل دائم لهؤلاء اللاجئين بمجرد نفاد حد الـ 90 يومًا، قامت بروكسل في مطلع مارس 2022،  بتفعيل آلية لم يسبق استخدامها من قبل في ربوع دول الكتلة كافة، والتي تُعرف بـ "آلية الحماية المؤقتة" (temporary protection mechanism)، والتي تمّت بلورتها إبَّان أزمة لاجئي كوسوفو جراء حروب يوغوسلافيا عام 2001؛ بهدف تقديم المساعدة والحماية الفورية للاجئي الحرب مؤقتًا؛ إذ تُسهم هذه الآلية في التحايل على إجراءات اللجوء الأوروبية المُثقلة بالتعقيدات، وتوفر بدورها مسارًا سريعًا ومبسطًا للحصول على الحماية داخل الاتحاد الأوروبي. 

ومن المقرر أن يُمنح اللاجئون الأوكرانيون بموجب تلك الآلية تصاريح إقامة مؤقتة داخل الاتحاد الأوروبي لمدة عام واحد على الأقل، وهي فترة يمكن تمديدها عامين إضافيين في حال استمرار العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية، علاوةً على ذلك فإنها تمنح اللاجئين حق النفاذ إلى سوق العمل داخل الاتحاد، والوصول إلى مزايا خدمات الرعاية الاجتماعية، وفي مقدمتها الإسكان، والرعاية الطبية، والخدمات التعليمية. 

هذا، وتُمنح الحماية المؤقتة من قِبل أي دولة في الاتحاد الأوروبي، وليس الدولة التي تطأها قدم اللاجئ أولًا؛ حيث تستند "آلية الحماية المؤقتة" لعام 2001 إلى سياسة "توازن الجهود" بين دول الاتحاد الأوروبي في استضافة اللاجئين، بما يمثِّل تحولًا صارخًا عن أزمة الهجرة التي شهدتها أوروبا عام 2015؛ حيث عارضت الدول الأوروبية حينها سياسة تقاسم الأعباء، وتركت الدول الساحلية المطلة على البحر المتوسط في الخطوط الأمامية لمواجهة موجات المهاجرين واللاجئين من إفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي أثقل بدروه كاهل تلك البلدان بالعديد من الأعباء، ومن الجدير بالذكر أن شركات السكك الحديدية في ألمانيا، والنمسا، وفرنسا، وبلجيكا قدَّمت في الآونة الأخيرة تذاكر مجانية للاجئين الأوكرانيين الراغبين في عبور دول القارة. 

ورغم الجهود الأوروبية لمعالجة أزمات الهجرة واللجوء منذ موجة اللجوء السورية عام 2015، فإن الانقسامات العميقة بين دول شرق وجنوب أوروبا حالت دون إحراز تقدم في هذا الشأن، ولكن يؤول الإسراع في تفعيل تدابير الحماية المؤقتة في الوقت الراهن إلى مساعي بروكسل الحثيثة إلى بعث رسالة إلى العالم أجمع مفادها أن الاتحاد الأوروبي "متحد ومتضامن" في مواجهة روسيا، فضلًا عن أن أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، والمناوشات اللاحقة مع تركيا وبيلاروسيا في هذا الشأن قد ساهمت في بلورة تدابير الاستعداد لأزمات اللجوء في أوروبا، عبر تعزيز الاستثمارات في آليات الإنذار المبكر والتنبؤ، بالإضافة إلى زيادة التفويضات الممنوحة لبعض الوكالات المختصة في شؤون الهجرة، وفي مقدمتها الوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل "فرونتكس" (Frontex)، ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA)، ووكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في إنفاذ القانون (اليوروبول – Europol)، بما يخول لهم التدخل في أزمات الهجرة واللجوء، وبناء القدرات اللازمة لمعالجة الزيادة المفاجئة في أعداد اللاجئين. 

وتجدر الإشارة إلى أن "آلية الحماية المؤقتة" قُوبلت بجُملة من الانتقادات؛ نظرًا لأنها اقتصرت على المواطنين الذين يتمتعون بالجنسية الأوكرانية فقط، وتجاهلت قطاعًا عريضًا من أولئك الذين يمتلكون تصاريح إقامة مؤقتة في أوكرانيا، والذين قدرتهم المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة قبل بدء العمليات العسكرية الروسية بنحو 470 ألف نسمة، وفي صدارتهم العمال الموسميون والطلاب الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الأوكرانية؛ إذ يُسمح لهم بالدخول إلى الأراضي الأوروبية فقط تمهيدًا لإعادتهم لأوطانهم، كما وردت بعض التقارير التي تُفيد بتعرُّض هؤلاء الأشخاص لمعاملة تمييزية على الحدود الأوكرانية الأوروبية، وإعادتهم إلى الأراضي الأوكرانية رغم دعوة بروكسل حرس الحدود على جانبي الحدود بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بالسماح لجميع الفارين من الحرب بدخول الأراضي الأوروبية بغض النظر عن الجنسية أو العرق. ومن ناحية أخرى، أفاد بعض الخبراء الاقتصاديين بأن إجراءات "الحماية المؤقتة" تُثقل كاهل الاتحاد الأوروبي بمليارات الدولارات، وقد تدفع بروكسل إلى  تقليص ميزانية الهجرة واللجوء الحالية. 

ازدواجية المعايير .. تباين الاستجابة الأوروبية لأزمات اللاجئين

كشفت الأزمة الأوكرانية عن ازدواجية واضحة في المعايير الأوروبية إزاء ملف اللاجئين، علاوةً على العنصرية المتأصلة في المعسكر الغربي، فعلى النقيض من سياسات الدول الغربية المناهضة للهجرة وموجات اللجوء من مناطق الصراع في الشرق الأوسط وإفريقيا منذ أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، وتأجُّج الأزمة الأفغانية العام الماضي، أظهرت تلك الدول تعاطفًا منقطع النظير تجاه اللاجئين الأوكرانيين، واستقبلتهم بحفاوة بالغة، رغم التباين الواضح في أعداد موجة اللاجئين الراهنة مقارنة بعام 2015؛ إذ يربو عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين يتدفقون من أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي على ثلاثة أضعاف نظرائهم السوريين بين عامي 2015 و2016، والذين قُدِّروا حينها بنحو 1.5 مليون لاجئ، وهو عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا إلى الأراضي الأوروبية في الأسبوع الأول فقط من اندلاع العملية العسكرية الروسية. 

ومثَّلت التدابير الأوروبية الراهنة لغوث اللاجئين الأوكرانيين تناقضًا صارخًا مقارنة بالسياسات التي أقرّتها بروكسل في مواجهة موجة اللاجئين السوريين عام 2015، حينما دعا الاتحاد الأوروبي لاحتجاز طالبي اللجوء لمدة تصل إلى 18 شهرًا، بدعوى عرض طلبات اللجوء الخاصة بهم للتدقيق لدواعٍ أمنية وتفادي مخاطر الإرهاب. ومن المفارقة أيضًا أن الدول التي كانت أكثر مناهضة لموجات اللاجئين عام 2015، ويشوب خطابها العام العنصرية ومعاداة الأجانب، تصدّرت قائمة الدول الأكثر استقبالًا للاجئين الأوكرانيين حاليًا، وهي: بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا. 

وتُعد بولندا المثال الأبرز في هذا الصدد؛ لا سيَّما ما يتعلق بأزمتها مع بيلاروسيا أواخر عام 2021، بشأن المهاجرين وطالبي اللجوء الأفغان والعراقيين العالقين على الحدود البولندية البيلاروسية؛ حيث اتهمت وارسو مينسك باستدراج هؤلاء اللاجئين وتسليحهم كرد انتقامي على عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدها، ومن ثمّ، تَعامَل حرس الحدود البولنديون بوحشية مع هؤلاء اللاجئين الذين تقطعت بهم السُبل في ظروف يُرثى لها، حيث كانوا يتضوّرن جوعًا ودون مأوى في ظل البرد القارص، مما أفضى إلى وفاة 19 شخصًا منهم. وفي هذا الإطار، أقامت وارسو سياجًا من الأسلاك الشائكة، وشرعت في بناء جدار حدودي بطول 186 كيلومترًا لمنع دخول طالبي اللجوء من بيلاروسيا، وتبنّت تشريعًا يسمح بطرد أي شخص يعبر الحدود البولندية بصورة غير نظامية، ولا تعزى تلك السياسات المناهضة للهجرة إلى أزمة الحدود مع بيلاروسيا فحسب، وإنما ترفض بولندا استقبال اللاجئين حتى قبل تلك الأزمة؛ ففي عام 2020، منحت وارسو وضع اللجوء لـ 161 شخصًا فقط من إجمالي 2803 أشخاص تقدموا إليها بطلبات لجوء، كما احتجزت أعدادًا كبيرة من طالبي اللجوء -غير الأوكرانيين- خلال العام الجاري 2022، حيث بلغ عدد المحتجزين لديها خلال شهر يناير 2022، نحو 1675 طالب لجوء مقارنة بـ 122 شخصًا كانوا رهن الاحتجاز على مدار عام 2020 بأكمله. 

ولا تقتصر الازدواجية الأوروبية على التفرقة بين اللاجئين الأوروبيين وغيرهم، وإنما كانت المفارقة الواضحة في التمييز بين المواطنين الأوكرانيين وغيرهم من ذوي الجنسيات الأخرى المقيمين في أوكرانيا؛ حيث أفادت العديد من التقارير بأن الأولوية كانت لعبور المواطنين الأوكرانيين، فيما ظل أصحاب الجنسيات الأخرى يكافحوا من أجل اجتياز المعابر الحدودية. 

وتؤول الازدواجية المتأصلة في المعسكر الغربي إزاء ملف اللاجئين إلى جُملة من المؤثرات، وفي صدارتها العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية والحضارية المشتركة؛ كون أوكرانيا بلدًا أوروبيًّا يشاطر الدول الأوروبية الأخرى المعايير والخبرات ذاتها، وهو ما تجلَّى في تصريحات رئيس الوزراء البلغاري "كيريل بيتكوف"، التي أكَّد خلالها أن موجة اللاجئين الراهنة تختلف عن الموجات السابقة؛ نظرًا لأن اللاجئين الأوكرانيين هم مواطنون أوروبيون في المقام الأول، ويتمتعون بمستويات عالية من التعليم والذكاء. 

هذا، ويعزى رفض الدول الأوروبية لاستقبال اللاجئين من الشرق الأوسط إلى الصورة الذهنية المنتشرة عن المنطقة باعتبارها ساحة معركة مُحاطة بسلسلة من الصراعات المتشابكة، وأنها بيئة خصبة للصراعات العرقية والطائفية والمذهبية، ومن ثمّ فإن الحرب والدمار يرتبطان بثقافة وهوية هؤلاء الأشخاص، وتجلَّت هذه النظرة النمطية بصورة رئيسة في تصريحات رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" التي وصف خلالها لاجئي الشرق الأوسط بأنهم "غزاة مسلمون". 

سلاح ذو حدين .. تداعيات أزمة اللاجئين الأوكرانيين على أوروبا

تُمثِّل أزمة اللاجئين الأوكرانيين سلاحًا ذو حدين بالنسبة لأوروبا، وتنطوي على جُملة من التداعيات المستقبلية على عموم أوروبا، يمكن توضيحها فيما يلي:

أولًا: التداعيات الاقتصادية

تعاني العديد من البلدان المُضيفة للاجئين الأوكرانيين في أوروبا الشرقية وطأة تدهور الأوضاع الاقتصادية، ولم يتعاف العديد منها بعد من التداعيات الكارثية لتفشي جائحة كورونا، هذا فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف مواطني تلك الدول، وفي هذا الإطار، فإن تدفق موجات اللاجئين الأوكرانيين إليها يُثقل كاهلها بمزيد من الأعباء المالية لسد احتياجاتهم، وسترفع بدورها فاتورة الخدمات الاجتماعية، كالتعليم، والصحة، والنقل، في الدول الأوروبية التي يعاني بعضها من قصور في تقديم هذه الخدمات، ومن ثمّ فإن الدول الأوروبية ستحتاج إلى تبنِّي سياسة تقاسم الأعباء المالية لمواجهة التكاليف الهائلة لتقديم الخدمات العامة الضرورية للاجئين وفقًا للقدرات الاقتصادية لكل دولة، كما أنه سيتعيَّن على القادة الأوروبيين جمع التمويل اللازم في هذا الشأن من المؤسسات المالية الدولية ذات الصلة، ومن دول خارج أوروبا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. 

ورغم الأعباء المالية سالفة الذكر لأزمة اللاجئين الأوكرانيين، فإنها تُمثِّل سلاحًا ذو حدين بالنسبة للقارة الأوروبية، فيمكن النظر للاجئين الأوكرانيين باعتبارهم إضافة وليسوا عبئًا، لا سيَّما وأن أوكرانيا تمتلك أعلى معدلات للإلمام بالقراءة والكتابة في العالم، وفقًا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، هذا فضلًا عن أن لديها كوادر بشرية متخصصة في جُملة من المجالات التي تحتاجها الدول المضيفة، كالهندسة وتكنولوجيا المعلومات، بما يجعلهم أصولًا قيّمة للقوى العاملة الأوروبية.  

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات المُنصرمة مثَّلت أوكرانيا المصدر الرئيس للعمالة المهاجرة في أوروبا، بمعدل نصف مليون مهاجر سنويًّا منذ عام 2016؛ حيث حصل نحو 86% من المهاجرين الأوكرانيين المقيمين في الاتحاد الأوروبي، في عام 2020، على تصاريح إقامة لأسباب تتعلق بالعمل، وهي أعلى نسبة بين صفوف المهاجرين في الاتحاد، وفي هذا الإطار، يتمتع العديد من اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب بشبكة أصدقاء وأقارب في الدول الأوروبية، ومن ثمّ، تُيسر الاتصالات الشخصية وصول هؤلاء اللاجئين إلى سوق العمل في أوروبا الوسطى والشرقية والاندماج في تلك المجتمعات.

ولكن في ضوء تدفق موجات اللاجئين المتنامية، فقد شهد عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى تلك الاتصالات الشخصية ارتفاعًا واضحًا، بما يُثقل كاهل الحكومات الأوروبية بمهام توفير المساكن الملائمة للاجئين الأوكرانيين، ودمج مئات الآلاف منهم داخل المجتمع، وذلك بجانب المهام ذات الصلة بتوفير الخدمات التعليمية للأطفال، والرعاية الطبية لكبار السن. 

ثانيًا: التداعيات السياسية

لا تزال التهديدات السياسية التي برزت على خلفية أزمة اللاجئين في أوروبا لعام 2015 قائمة، وفي طليعتها صعود الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة، علاوةً على إمكانية التوظيف السياسي لأزمة اللاجئين الأوكرانيين من قِبل بعض القوى الدولية، ولكن فريقًا من المراقبين يرى أن الموجة الراهنة للاجئين الأوكرانيين من شأنها التخفيف من سطوة سرديات اليمين المتطرف الأوروبي المتعلقة بالهجرة، لا سيَّما وأنها كشفت للرأي العام العالمي ازدواجية واضحة في تلك السرديات في التعامل مع الكوارث الإنسانية.  

ساهمت أزمة اللاجئين الأوكرانيين في إظهار  الوحدة والتضامن بين دول الاتحاد الأوروبي، والتي برزت في القفز على الانقسامات الجذرية بشأن ملف الهجرة واللجوء منذ أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، وتفعيل "آلية الحماية المؤقتة"، علاوةً على ذلك، فقد كشفت الأزمة الأوكرانية عن قوة الموقف السياسي للاتحاد في مواجهة موسكو، والتي تُعد بمثابة مؤشر لتوثيق الروابط الوحدوية الأوروبية، والتي تآكلت بصورة واضحة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، هذا فضلًا عن الأزمات المتلاحقة التي شهدتها بروكسل خلال السنوات المُنصرمة مع تركيا، وبريطانيا بشأن البريكست، والأزمة الصحية جراء تفشي جائحة كورونا، ويُرجِّح بعض المراقبين أن التضامن الأوروبي بشأن أزمة اللاجئين الأوكرانيين قد يُسهم بدوره في تحقيق طموح المفوضية الأوروبية بإنشاء "وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء" وهو مشروع قيد المناقشة منذ عام 2018. 

ثالثًا: التداعيات الصحية والأمنية

يُثير تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية المخاوف لدى الأوساط الصحية الأوروبية من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا مجددًا؛ لا سيَّما وأن أوكرانيا شهدت ارتفاعًا واضحًا في حالات الإصابة بالفيروس خلال شهر فبراير 2022، وأظهرت البيانات إيجابية نحو 60% من اختبارات فيروس كورونا التي تمّ إجراؤها في أوكرانيا مؤخرًا، الأمر الذي يُنذر بوضع أعباء إضافية على أنظمة الرعاية الصحية الأوروبية التي لا تزال تعاني وطأة تداعيات جائحة كورونا. 

وفيما يخص التداعيات الأمنية لأزمة اللاجئين الأوكرانيين، يتخوف المراقبون من احتمالية استغلال الجماعات الإجرامية المنظمة في مجال تهريب المهاجرين لسياسة الحدود المفتوحة، وذلك عبر توجيه عملائهم إلى الأراضي الأوكرانية، ومن ثمَّ إلى الحدود الشرقية المفتوحة للاتحاد الأوروبي. 

وختامًا، يمكن القول أنه في ضوء استمرار الحرب الأوكرانية، فلا نهاية تلوح في الأفق لأزمة اللاجئين الأوكرانيين؛ إذ تُرجِّح بعض السيناريوهات بأنه في حال سقوط العاصمة الأوكرانية كييف فإن موجة اللاجئين الأوكرانيين المرشَّحة للارتفاع قد تتحول إلى حالة هجرة جماعية؛ حيث تشير التقديرات في هذا الشأن إلى أن ما بين 7 إلى 15 مليون شخص سيفرون من أوكرانيا إلى الأراضي الأوروبية، والبقاء بها إلى أجل غير مسمى، فيما تُشير أكثر السيناريوهات تفاؤلًا -تحقيق السلام عبر التفاوض أو النصر الأوكراني- إلى ارتفاع معدلات الهجرة الأوكرانية خلال السنوات المقبلة، في ظل التوقعات التي تؤكد أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب قد تستغرق عقدًا على أقل تقدير لمعالجتها، علاوةً على أن الرجال الأوكرانيين الذين يخضعون للتجنيد الإجباري حاليًا سيفضلون الانضمام لأسرهم في أوروبا بعد انتهاء الحرب، وليس العكس. 

ورغم الجهود الأوروبية منقطعة النظير لغوث اللاجئين الأوكرانيين، لا تزال الدول الأوروبية بحاجة إلى الشروع في وضع جُملة من الخطط طويلة الأجل للتعامل مع أزمة اللاجئين الأوكرانيين في أعقاب انقضاء مرحلة الطوارئ الراهنة، الأمر الذي يتطلب تكاتف دول الاتحاد الـ 27 في استقبال اللاجئين الأوكرانيين وتمويل رعايتهم، والعزوف عن اتباع سياسة الركوب المجاني (Free Rider) على بعض الدول مثل بولندا، التي تستضيف نحو 60% من اللاجئين الأوكرانيين

تقييم الموقع