IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

السياحة المصرية ما بين مطرقة جائحة كورونا وسندان الحرب الروسية الأوكرانية (الفرص والتحديات)

 الثلاثاء. 14 يونيو., 2022

السياحة المصرية ما بين مطرقة جائحة كورونا وسندان الحرب الروسية الأوكرانية (الفرص والتحديات)

 د. أحمد سعيد البكل

تصاعدت في الفترة الأخيرة التداعيات والآثار السلبية لجائحة كورونا، بالإضافة للحرب الروسية الأوكرانية على السياحة الدولية. فقد شكلت كلٌ من روسيا وأوكرانيا نحو 3% من الإنفاق العالمي على السياحة الدولية في عام 2020، ويمكن أن نفقد نحو 14 مليار دولار على الأقل من عائدات السياحة العالمية إذا استمر هذا الصراع، ويُعد هذا الأمر مصدر قلق عميق لاقتصادات البلدان النامية التي تسعى إلى رسم مسار نحو تحقيق التعافي. ويلعب القطاعان العام والخاص دورًا كبيرًا في أنشطة السياحة التي لا تُعد مصدرًا حيويًّا للعملة الأجنبية فحسب، بل لديها أيضًا القدرة على أن تكون بمنزلة "أداة" تنموية لتدعيم سلاسل الإمداد، وتحسين إنتاجية الشركات المحلية، وخلق فرص عمل، وتوفير الدخل للنساء والشباب، وبالتالي كل ذلك سيكون له تأثير على جميع القطاعات الاقتصادية عامة في مصر، وعلى قطاع السياحة خاصة، وهو ما ظهر فى انخفاض عدد الحجوزات من العديد من الدول المصدرة للسياح، وعلى رأسها طرفا الحرب، روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الدول المجاورة (البلقان).

انعكاسات الحرب والجائحة على قطاع السياحة

تصاعدت في الفترة الأخيرة التداعيات والآثار السلبية لجائحة كورونا، بالإضافة للحرب الروسية الأوكرانية على السياحة الدولية.  فقد شكلت كلٌ من روسيا وأوكرانيا نحو 3% من الإنفاق العالمي على السياحة الدولية في عام 2020، ويمكن أن نفقد نحو 14 مليار دولار على الأقل من عائدات السياحة العالمية إذا استمر هذا الصراع، ويُعد هذا الأمر مصدر قلق عميق لاقتصادات البلدان النامية التي تسعى إلى رسم مسار نحو تحقيق التعافي. ويلعب القطاعان العام والخاص دورًا   كبيرًا في أنشطة السياحة التي لا تُعد مصدرًا حيويًّا للعملة الأجنبية فحسب، بل لديها أيضًا القدرة على أن تكون بمنزلة "أداة" تنموية لتدعيم سلاسل الإمداد، وتحسين إنتاجية الشركات المحلية، وخلق فرص عمل، وتوفير الدخل للنساء والشباب، وبالتالي كل ذلك سيكون له تأثير على جميع القطاعات الاقتصادية عامة في مصر، وعلى قطاع السياحة خاصة، وهو ما ظهر فى انخفاض عدد الحجوزات من العديد من الدول المصدرة للسياح، وعلى رأسها طرفا الحرب، روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الدول المجاورة (البلقان).

ويوضح الشكل البياني التالي معدل النمو في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لقطاع السياحة بالأسعار الثابتة والمرتبط بقطاع السياحة في مصر، حيث ارتفع معدل النمو ارتفاعًا ملحوظًا من (-85.4%) في أبريل 2020 إلى 432.7% في أبريل 2021، وذلك كان راجعًا إلى تخفيف القيود الخاصة بالجائحة في جميع دول العالم ومصر أيضًا لتلك القيود مع الحفاظ على كافة الإجراءات الاحترازية مما أثر إيجابًا على معدل نمو القطاع السياحي.

ويتضح من الشكل البياني السابق الارتفاعات التي حدثت في عدد السائحين الوافدين إلى مصر في الفترة من 2017 حتى 2019 كانت السوق الأوكرانية أكبر دولة متصدرة للمشهد بقوة خلال تلك الفترة من حيث عدد الوافدين منها لمصر، وكانت من كبرى الأسواق التي دعمت القطاع السياحي.

وكان من المتوقع استمرار ذلك الرواج في قطاع السياحة هذا الموسم في ظل تخفيف قيود جائحة كورونا عالميًا، ولكن طرأت على الساحة العالمية الحرب الروسية الأوكرانية والتي أحبطت الكثير من هذه الآمال بالنسبة للقطاع السياحي في مصر، ويتضح من ذلك مدى أهمية القطاع السياحي في  الاقتصاد المصري، وبالتالي استدعى ذلك دراسة تداعيات تلك الأزمة من مختلف الجوانب بصفة عامة، وقطاع السياحة خاصة، وذلك عن طريق البحث عن حلول وآليات حال تطور الأحداث بشكل سلبي أكثر من ذلك. 

أما بالنسبة للسياحة الروسية، فليست بمعزل عن تلك الأحداث، حيث شهدت الرحلات الوافدة من روسيا إلى مصر خلال الأسابيع الماضية تراجعًا كبيرًا بعد الطفرة التي حققتها خلال الربع الأخير من العام الماضي، ومن المتوقع أن تحدث حالة تباطؤ؛ وذلك نتيجة لارتفاع قيمة التأمين على رحلات الطيران، التي تتجه من روسيا إلى مصر بسبب الصراع الروسي الأوكراني.

لكن فيما يتعلق بوجود الطلب مستقبلًا على السياحة في مصر من جانب روسيا فقد يستمر، وذلك مع بداية صيف 2022 بشكل أكبر، خاصة مع تخفيف القيود المتعلقة بمواجهة كورونا، وهو ما حدث في النمسا وألمانيا خلال شهر مارس وأبريل 2022. حيث إن السائحين الروس والأوكرانيين يمثلون نسبة كبيرة من إجمالي السائحين الذين استقبلتهم مصر، وخاصة مدينة شرم الشيخ خلال الأشهر الخمسة الماضية.

إن عدد الرحلات السياحية التي قام بها المواطنون الأوكران للخارج في عام 2021، وصلت إلى نحو 14.7 مليون رحلة سياحية أجنبية، وفق وكالة السياحة الحكومية الأوكرانية.

في ظل تلك التحديات يجب أن يتم الخروج بالفرص التي تعود على الاقتصاد المصري عامة والقطاع السياحي خاصة بالمنافع، ولكي يتم ذلك يجب وضع آليات لتعزيز تلك الفرص المرتبطة بقطاع السياحة المصرية فى ظل أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، أو ما سيحدث مستقبلًا، ومن هنا سيتم وضع مقترح لتلك الآليات يتمثل في التالي:

• تنويع مصادر وأسواق جلب السائحين، ولا يتم الاعتماد على الأسواق التقليدية فقط مثل، السياحة الروسية أو الأوكرانية، بل يجب التوجه إلى أسواق جديدة وعمل حملات ترويجية واسعة للسياحة المصرية بتلك الدول مثل، دول جنوب وشرق آسيا كالهند واليابان وكوريا، وأيضًا التوجه إلى جذب السياحة العربية.

• عمل إعفاءات على التأشيرات السياحية؛ وذلك لجذب المزيد من السائحين، وخاصة لمحافظات الصعيد مثل، الأقصر وأسوان، وهذا ما قامت به الحكومة المصرية، ولكن من الأفضل التوسع في تلك الإعفاءات ووضعها في إطار برنامج لجذب المزيد من السائحين، وخصوصًا خلال الفترة القادمة.

• التعاقد مع شركات عالمية متخصصة لإعداد استراتيجية متكاملة لتطوير قطاع السياحة ليتواكب مع الاتجاهات السياحية العالمية.

• وضع بروتوكولات تشغيل موحدة للفنادق وشركات تنظيم الرحلات، وتدريب الكوادر في القطاع السياحي بما يتناسب مع متطلبات وأذواق وتفضيلات السائحين في جميع دول العالم. 

• إجراء مسوحات استقصائية لجس نبض الشركات، ووجود حوار مجتمعي بين القطاعين العام والخاص بشأن التحديات مستقبلًا، وإعداد بحوث السوق الخاصة بالمستهلكين - وهي ما تشير جميعها إلى أن السفر على المدى القريب سيتحول إلى المقاصد السياحية، والسياحة الداخلية والقريبة.

• التوسع فى عمل الشركات السياحية المتخصصة بالشراكة بين الحكومة المصرية والقطاع الخاص فى عدد من الدول المستهدفة، وخاصة فى المواسم (الشتاء) التي تتصف بقلة أعداد السائحين؛ وذلك للاستفادة بجذب أكبر عدد سياح ممكن إلى مصر.

• تنشيط أنواع جديدة من السياحة، حيث إن هناك 63 نوعًا من السياحة على مستوى العالم مثل، السياحة الصناعية، وهي عبارة عن زيارات للمواقع الصناعية لموقع معين، وقد أخذ هذا المفهوم اهتمامًا متجددًا في الآونة الأخيرة ويجذب السائحين لزيارة التراث الصناعي والمواقع الحديثة. وهناك أيضا السياحة النهرية، وذلك استغلالًا لنهر النيل بما تم على ضفافه من تطوير قامت بها الحكومة مثل، (ممشى مصر وغيره من التطورات..) والذي يجب تعميمه على كل المحافظات المصرية التي تطل على ضفاف نهر النيل ليصبح مشروعًا قوميًّا يجذب السياحة الدولية والإقليمية والمحلية، وهذا يجتذب فئات عديدة من السياح.وهناك أيضا السياحة العلاجية والرياضية وسياحة المؤتمرات مثل، مؤتمر المناخ الذي سيقام في شرم الشيخ نوفمبر 2022، والذي سيجذب نوعًا معينًا من السياح، وذلك بجانب السياحة التقليدية مثل، السياحة الشاطئية والسياحة المعتمدة على زيارة المعالم السياحية، بالإضافة إلى النمو القوي في سياحة الطبيعة، وسياحة المغامرات، مما يبرز الأهمية التي يوليها السائحين لها، مما يساعد على استدامة ذلك القطاع.

• عمل العديد من المبادرات فى الفترة المُقبلة لتشجيع وتنشيط السياحة الداخلية؛ من أجل الحفاظ على حركة المنشآت السياحية، وحركة العاملين بالفنادق السياحية حتى نستطيع تغطية أجورهم، وحتى نتجنب مبكرا أزمة تسريحهم من عملهم، ودخولهم فى متاهات البطالة.

• وضع الحكومة لمزيد من الحوافز والضمانات لأصحاب المنشآت لحثهم على الاحتفاظ بالعمالة، بالإضافة إلى تحقيقها الاستئناف الآمن للسياحة في ظل تداعيات الجائحة والحرب التي خيمت بظلالها على العالم بأسره.

• ركز القطاع السياحي في مصر على عدد قليل من المواقع الرئيسة لجذب السياح. وبالتالي تجب إعادة بناء قطاع السياحة وتزويد السائحين بخبرات عن تطور الأماكن السياحية القديمة ووجود مواقع جديدة، من خلال استكشاف بدائل للسياحة التقليدية وتعريفهم بها. 

• القيام بإصلاحات ضريبية وخاصة في قطاع الطيران، حيث إنه هو الشريك الرئيس مع القطاع السياحي المصري لنقل السياح، حيث على مستوى دول العالم اقتربت العديد من شركات الطيران من الإفلاس نتيجة الجائحة أو غيرها من الأزمات، مما أدى إلى زيادة الطلب على عمليات الإنقاذ الحكومية، وهذا ما قامت به الحكومة المصرية مع قطاع الطيران المصري،  ومع ذلك، يجب أن يأتي هذا التمويل بشروط تعطي الأولوية للتحسينات البيئية، لتصبح "شركة الطيران الأكثر خضرة في العالم" وذلك له دور كبير أيضا في جذب السياح، بالإضافة إلى ذلك،  يمكن أن تشمل الخطوات الأخرى تقاعد الطائرات غير الفعالة، وتقليل عدد الرحلات عندما يكون الطلب منخفضًا.

• جودة وتوافر والتغطية للاتصالات والبنية التحتية للإنترنت لجميع المرافق السياحية.

• تعزيز السياحة الداخلية من خلال الاستراتيجية والحوافز المناسبة، يمكن للسياحة المحلية أن تقود الانتعاش في القطاع من الناحية الفنية، حيث تتمتع السياحة الداخلية بالقدرة على استبدال الزوار الأجانب بشكل كامل. فى حين أن الترويج للسياحة الداخلية سهل نسبيًا، إلا أنها قد تواجه التحديات التالية:

o عمليات محدودة لشركات الطيران والفنادق بسبب إجراءات الاحتواء، وبالتالي مع تخفيف الإجراءات الاحترازية يمكن أن يساعد ذلك في زيادة الطلب المحلي على السياحة. 

o انخفاض اهتمام السائحين المحليين بالوجهات المحلية، ولكن مع تنوع تلك الوجهات، فإن معرفة السائحين المحليين بها، يمكن أن يساعد على جذبهم.

o انخفاض الطلب بسبب خوف الناس من الإصابة وانخفاض الدخل، وذلك يمكن معالجته عن طريق البروتوكولات الصحية التي تتبعها المنشآت السياحية، وعمل عروض بأسعار تتناسب مع دخول وإمكانات السائحين المصريين. 

o قد تكون عوامل الجذب والمرافق السياحية (على سبيل المثال وسائل النقل وخاصة الجوي منها) مصممة للسائحين الدوليين بدلًا من السائحين المحليين، وذلك بسبب ارتفاع أسعارها والتي قد تكون غير مناسبة لجميع فئات المجتمع المصري، ويمكن التغلب على ذلك عن طريق توفير وسائل نقل أقل تكلفة وتكون مناسبة للسياح المصريين مثل، السكك الحديدية بعد التطور الكبير الذي شهده هذا القطاع، والتوسع في استخدام وسائل أخرى، كالنقل النهري وذلك من خلال استغلال الميزة الطبيعية المميزة لمصر وهي نهر النيل. 

• عمل متاحف متنقلة مؤقتة في الدول العربية والأوروبية لمشاهدة الآثار المصرية، ومنها يتم الحصول على عملة أجنبية، وخاصة الدول التي لا يستطيع أفرادها السفر إلى مصر نتيجة الجائحة أو غيرها، وبالتالي سيتم جذب أكبر عدد ممكن من السائحين إلى تلك المتاحف. 

• الاهتمام بالتكنولوجيا الرقمية مثل، الواقع الافتراضي في جذب اهتمام السائحين أثناء فترات الإغلاق

أو الأزمات مثل، الحرب أو الأزمات الصحية، وبوصفها مصدرًا للبيانات لتوجيه عمليات التخطيط واتخاذ القرار. وسيكون للتكنولوجيا دور متزايد في سياحة الإقامة الطويلة.

تقييم الموقع