الثلاثاء. 14 يونيو., 2022
د. إسراء أحمد إسماعيل
تسبب السياسيون الغربيون ووسائل الإعلام الغربية في إثارة حالة من الهستيريا المناهضة لروسيا في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ووصل الأمر إلى ذروته في ظل قيام شركة Meta Platforms، بالسماح بمنشورات تدعو للعنف ضد من أُطلِق عليهم «الغزاة الروس» على تطبيقاتها «فيسبوك وإنستجرام وواتس آب» في مارس 2022، علاوة على السماح بنشر تهديدات بالقتل موجهة إلى الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، ونظيره البيلاروسي «ألكسندر لوكاشينكو»، فضلًا عن السماح بالثناء على «كتيبة آزوف» اليمينية المتطرفة الأوكرانية (1) - وهي الأبرز من بين العديد من المجموعات شبه العسكرية الأوكرانية النازية الجديدة التي تم استيعابها في الحرس الوطني الأوكراني، وتضم قوميين متطرفين، سبق وأن اتُّهِم بعض أعضائها بممارسة العنف ضد الأوكرانيين الذي ينحدرون من أصول روسية (2)-في خطوة مثَّلت حيادًا كبيرًا عن سياسات الشركة بشأن خطاب الكراهية والتحريض. كذلك تجدر الإشارة إلى قيام شركة جوجل بحظر الإعلانات في روسيا، وإزالة مقاطع الفيديو من على منصة YouTube التي تقلل من شأن الحرب، كما علقت TikTok جميع تحميلات الفيديو في روسيا (3).
تسبب السياسيون الغربيون ووسائل الإعلام الغربية في إثارة حالة من الهستيريا المناهضة لروسيا في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ووصل الأمر إلى ذروته في ظل قيام شركة Meta Platforms، بالسماح بمنشورات تدعو للعنف ضد من أُطلِق عليهم «الغزاة الروس» على تطبيقاتها «فيسبوك وإنستجرام وواتس آب» في مارس 2022، علاوة على السماح بنشر تهديدات بالقتل موجهة إلى الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، ونظيره البيلاروسي «ألكسندر لوكاشينكو»، فضلًا عن السماح بالثناء على «كتيبة آزوف» اليمينية المتطرفة الأوكرانية (1) - وهي الأبرز من بين العديد من المجموعات شبه العسكرية الأوكرانية النازية الجديدة التي تم استيعابها في الحرس الوطني الأوكراني، وتضم قوميين متطرفين، سبق وأن اتُّهِم بعض أعضائها بممارسة العنف ضد الأوكرانيين الذي ينحدرون من أصول روسية (2)-في خطوة مثَّلت حيادًا كبيرًا عن سياسات الشركة بشأن خطاب الكراهية والتحريض. كذلك تجدر الإشارة إلى قيام شركة جوجل بحظر الإعلانات في روسيا، وإزالة مقاطع الفيديو من على منصة YouTube التي تقلل من شأن الحرب، كما علقت TikTok جميع تحميلات الفيديو في روسيا (3).
وردًا على ذلك، طالبت السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة واشنطن «بوقف أنشطة شركة ميتا المتطرفة، واتخاذ إجراءات لتقديم الجناة إلى العدالة»، وقال بيان السفارة: «إن سياسة ميتا العدوانية والإجرامية التي تؤدي إلى التحريض على الكراهية والعداء تجاه الروس هي سياسة شائنة»، وأكّد البيان أن قرارات الشركة تعد دليلًا آخر على حرب المعلومات التي يتم ممارستها بدون ضوابط ضد روسيا، كذلك قامت روسيا بحجب موقعي فيسبوك وتويتر، ردًا على حظر أوروبا لبث القنوات الحكومية الروسية، RT وSputnik في أوروبا.(4)
لقد أثار قرار شركة ميتا جدلًا حول كيفية تعامل شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع خطاب الكراهية والتحريض على العنف على منصاتها، حيث أظهر كيف قامت منصات الإنترنت بتكييف سياسات المحتوى التي من المفترض أنها قائمة على أساس مفهوم الحياد السياسي، كما أثار تساؤلًا حول مدى قدرة موقع فيسبوك على مراقبة حدود هذه السياسة الجديدة، وتمييز الجنود والقادة الروس -الذين يعتبرهم الغرب غزاة- عن المواطنين الروس العاديين، والذين قد يتمتعوا بآراء مناهضة للحرب.
خطاب الكراهية بين التسييس والتسليح
تسببت الحرب الأوكرانية في نشر خطاب الكراهية والتحريض، ولفتت الانتباه إلى توظيف وتسليح وتسييس وسائل التواصل الاجتماعي في الصراعات (5). وفي هذا الإطار، أشار خبراء في مجال الحقوق الرقمية إلى أن قرار فيسبوك بالسماح بنشر خطاب الكراهية ضد القادة والعسكريين الروس على خلفية الحرب في أوكرانيا ينتهك قواعد المواقع الخاصة بالتحريض، ويُظهر ازدواجية المعايير المطبقة، الأمر الذي قد يتسبب في إيذاء المستخدمين من المنخرطين في صراعات أخرى حول العالم، فالمفترض أن تتحمل تلك المنصات مسؤولية حماية وسلامة مستخدميها، ودعم حرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان دون تمييز، لكن التباين في تطبيق الإجراءات المتبعة في هذا الصراع مقارنة بالصراعات الأخرى، كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي على سبيل المثال، أو أي صراع آخر غير غربي، يعزز من سمة التمييز التي تتصف بها مواقع التواصل الاجتماعي (6).
وفي هذا السياق، يعقد البعض مقارنة بين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبين الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في حق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية منذ أكثر من نصف قرن؛ بالنظر إلى أن التحريض ضد الإسرائيليين أو القادة الإسرائيليين يمكن أن يؤدي إلى تعليق الحساب أو حذف المحتوى على أي منصة يتم النشر عليها، ففي العام الماضي على سبيل المثال، قام موقعا إنستجرام وتويتر بحذف مئات المنشورات التي نشرها فلسطينيون احتجاجًا على عمليات الإخلاء القسري التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية. وهنا يرى بعض المراقبين أن الفارق الوحيد بين الحالتين هو أن الممارسات الإسرائيلية مدعومة إلى حد كبير من قِبل المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية، وبالتالي فإن الدعوات إلى العنف في سياق الممارسات الإسرائيلية تخاطر بتسليط الضوء على تواطؤ الغرب طويل الأمد في جرائم إسرائيل، في حين أن خطاب الكراهية ضد روسيا والرئيس «بوتين» يدعم توجهات السياسة الخارجية الغربية التي طالما سعت على مدى أكثر من عقدين إلى توسُّع حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى الحدود الروسية.(7)
كذلك تعرّض فيسبوك لانتقادات عدّة لفشله في كبح التحريض على الكراهية في الصراعات في كل من إثيوبيا وميانمار؛ حيث يرى محققون في الأمم المتحدة أنه لعب دورًا رئيسًا في نشر خطاب الكراهية الذي غذى العنف ضد مسلمي الروهينجا. كما ذكرت شركة ميتا مؤخرًا أنها بصدد إجراء تقييم مستقل خاص بحقوق الإنسان في عملها في إثيوبيا، بعد أن أوصى مجلس الرقابة التابع لها بإجراء مراجعة.(8)
وقد انتهى الأمر -كما سبقت الإشارة- بهذه المنصات الإعلامية الغربية إلى حظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية في أوروبا، واعتبر البعض أن هذه الخطوة جاءت امتثالًا لطلبات الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية، غير أنه في الوقت ذاته، ظلّت بعض الحسابات ووسائل الإعلام نفسها نشطة في الولايات المتحدة على بعض المنصات، مما عزز التصور بأن عمليات الحذف لم تكن اختيارية، وهذا الموقف يخاطر بوضع سابقة قد تعود لتطارد الشركات المالكة لهذه المواقع في المستقبل عندما تطالب الحكومات التي يصنفها الغرب على أنها استبدادية بحظر وسائل الإعلام الخارجية.(9)
استجابة متعثرة.. والحاجة إلى نهج جديد
تمثل مسائل الرقابة على الإنترنت، ومواجهة خطابات الكراهية، ونشر المعلومات المضللة أثناء الصراعات أو إجراء الاستحقاقات الانتخابية، مصدر قلق كبير للعديد من الحكومات؛ نظرًا لإمكانية تفاقم العنف وتقويض نزاهة الانتخابات بسببها. ولطالما شكّلت كيفية استجابة شركات وسائل التواصل الاجتماعي لتلك الظاهرة مشكلة تم التغاضي عنها أو لم يتم تناولها بشكل كافٍ في العديد من الدول؛ حيث تتمثل المشكلة الرئيسة في أن العديد من الحكومات ليس لديها القدرة ولا الأدوات اللازمة للتعاطي مع هذا النوع من القضايا بشكل فعال، لذلك غالبًا ما تلجأ إلى قطع الإنترنت. علاوة على ذلك، يشير البعض إلى أن عمالقة التكنولوجيا لا يهتمون كثيرًا بالمخاوف المرتبطة بانتشار خطاب الكراهية أو حملات التضليل الإعلامي في الدول غير الغربية، الأمر الذي يُبرر الحاجة إلى وجود مؤسسة دولية حاكمة لكبح خطاب الكراهية أثناء الصراعات.(10)
لقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة الوعي في جميع أنحاء القارة الأوروبية بشأن التهديدات التي يشكلها خطاب الكراهية على المجتمعات، مما يقوض حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، وقد ساهمت حركة «لا لخطاب الكراهية» The No Hate Speech Movement التي جاءت ضمن حملة أطلقها مجلس أوروبا Council of Europe، للتصدي لخطاب الكراهية من خلال محاولة تطوير المعايير والمبادرات المختلفة للتصدي لخطاب الكراهية، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة. وفي حين أن هذه الجهود جديرة بالثناء، فإن معطيات الواقع تبرهن على الحاجة إلى نهج شامل ومتسق في إطار احترام حقوق الإنسان لتحقيق نتائج مستدامة.(11)
وفي هذا الإطار، تعالت الدعوات إلى تأسيس «مجلس التدخل المعلوماتي» Information Intervention Council، بحيث يتبع الأمم المتحدة أو المنظمات عبر الوطنية، مثل الاتحاد الإفريقي، للتصدي لخطاب الكراهية عبر الإنترنت ونشر المعلومات المضللة في أوقات الحروب والصراعات، والتي من شأنها تأجيج العنف، على أن يتولى المجلس التحقيق في دور منصات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الكراهية أثناء الصراعات، والتحقق من الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام الأخرى في الدول المعنية، كما يمكنه أيضًا وضع مبادئ توجيهية لدفع شركات وسائل التواصل الاجتماعي للامتثال إلى معايير محددة في أوقات الصراعات، وعدم التصرف وفقًا للتوجهات السياسية لدولها أو أصحابها، على أن يضم المجلس ممثلين عن شركات التواصل الاجتماعي العاملة في مناطق الصراعات، وخبراء في الإعلام، وأعضاء من منظمات المجتمع المدني. هذا، وتشير التحليلات إلى أن هذه لن تكون المرة الأولى التي يتدخل فيها اللاعبون الدوليون لتقنين دور وسائل الإعلام خلال الصراعات، فعلى سبيل المثال، أثناء حملات الإبادة الجماعية في رواندا في التسعينيات، تجاهلت القوات الدولية الدور الذي لعبته الإذاعة في تعبئة العنف، ولذلك عندما اندلعت حرب البوسنة أصبحت قوات حلف الناتو أكثر تدخلًا في استجابتها للدعاية، واستهدفت وسائل الإعلام، واستولت على أجهزة الإرسال الإذاعي التي تَبيَّن أنها تعمل على نشر خطاب تحريضي.(12)
المساءلة القانونية.. تحديات رئيسة
إن مفهوم خطاب الكراهية يشير إلى استخدام شكل أو أكثر من أشكال التعبير -التي تستند إلى السمات الفردية التي تشمل: العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الجنسية، أو غيرها من السمات الشخصية - التي تتضمن الدعوة أو الترويج أو التحريض على تشويه صورة شخص أو مجموعة من الأشخاص، أو كراهيتهم، أو تشويه سمعتهم، أو توجيه مضايقة أو إهانة لهم، أو قولبة صورة نمطية سلبية، أو وصم، أو تهديد لشخص أو مجموعة من الأشخاص، أو أي تبرير لأي شكل من هذه الأشكال التعبيرية السلبية (13). وفي ضوء ذلك، هناك مجال واحد يطلب فيه القانون الدولي فعليًا من الدول حظر المحتوى باعتباره ينطوي على خطاب كراهية، وذلك وفقًا للمادة 20 (2)
من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) التي تنص على ما يلي: «يحظر القانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف» (14). ويُفهم من هذا عمومًا أنه يتطلب على الأقل من الدول الأطراف تبني أحكام جنائية بشأن «خطاب الكراهية»، وقد فعلت معظم الديمقراطيات ذلك بالفعل، لكن لضمان التوازن بين أهداف المادة 20 (2)، التي تنطوي على تعزيز المساواة وفرض النظام العام، وبين تطبيق الحق في حرية التعبير، المكفول في المادة 19 (2) من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، فرضت المحاكم الدولية والإقليمية وغيرها من هيئات حقوق الإنسان بعض الشروط على أحكام خطاب الكراهية، وهي:(15)
لا يتم حظر سوى الأعمال التعبيرية التي تُرتكب بقصد محدد للترويج للكراهية.
بروز الإحساس بالعداء؛ حيث يشير مصطلح «الكراهية»، كما هو مستخدم في المادة 20 (2)، إلى عاطفة قوية وسلبية تجاه المجموعة المستهدفة، تتجاوز مجرد الكراهية أو التنميط، وتنطوي على إحساس العداء.
التركيز على المحتوى الذي يؤدي فقط إلى العنف أو التمييز أو الكراهية.
لكي تثبت تهمة التحريض لا بد أن تكون هناك علاقة سببية مباشرة بين الخطاب الذي يحض على الكراهية والسياق الذي جاء خلاله.
ويتمثل التحدي الرئيس الذي يقف حجر عثرة أمام المساءلة القانونية بتهمة خطاب الكراهية في تقييد الأسس أو الخصائص التي يمكن اعتبار الأعمال التعبيرية التي تستند إليها خطابًا تحريضيًا، أي عدم تحديد شروط التحريض، كما تعد المادة 20 (2) مقيدة نوعًا ما؛ لأنها تناولت ثلاثة أسباب فقط، وهي: الجنسية والعرق والدين، في حين أنه من المحتمل أن تكون هناك بعض الخصائص الأخرى التي قد تحض على الكراهية، مثل التفضيلات السياسية.(16)
ذلك فضلًا عن رؤية كل طرف للصراع على أن الطرف الآخر هو مصدر الدعوة للكراهية؛ حيث يرى الغرب أن الخطابات التي ألقاها الرئيس «فلاديمير بوتين»، في يومي 21 و24 فبراير 2022، تعكس الشعور بالكراهية والازدراء لأوكرانيا وشعبها، باعتباره جرّد الأوكرانيين من إنسانيتهم، وأنكر حق أوكرانيا في الوجود، مما اعتبره البعض تحريضًا للجنود على الكراهية والقتل ضد الشعب الأوكراني، وقد ظهر ذلك عبر الأهداف الثلاثة التي حددها «بوتين»، وهي: نزع السلاح، ونزع النازية، وتحقيق الاستقرار. ففي هذا السياق، يعني التجريد من السلاح، تجريد أوكرانيا من وسائل الدفاع عن نفسها، بما في ذلك استقلالها وسلامتها الإقليمية، في حين يعني نزع النازية قتل رئيس أوكرانيا المنتخب ديمقراطيًا وأعضاء الحكومة الآخرين، ويعني الاستقرار إقامة نظام دمية تحت سيطرة روسيا (17). وفي ضوء ذلك، تطرح الحرب الأوكرانية إشكالية خاصة بمفهوم منصات التكنولوجيا عن الحياد السياسي والمعلومات المضللة، إذ لم تحدد هذه الشركات بوضوح المعايير التي اتخذت على أساسها هذا الموقف، أو كيف يمكن تطبيق ذلك في حالات أخرى، ومن ثمّ، تبرز الحاجة إلى مجموعة أكثر تماسكًا من المعايير للاستجابة للنزاعات (18).
وختامًا، فإن «المجتمعات تتعافى من الحروب أسرع بكثير مما تتعافى من الكراهية» (19)، ولسنوات سلَّطت شركات وسائل التواصل الاجتماعي الضوء على أهمية قمع خطابات الكراهية والتحريض، وكان هذا دافعًا لقرار غير مسبوق من قِبل عمالقة التكنولوجيا بحظر الحسابات الشخصية للرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» من منصاتهم في أوائل عام 2021، أما الآن فيُلاحَظ أنها حادت عن تطبيق هذه السياسة(20). الأمر الذي يتطلب استجابة عالمية ترتكز على التوافق حول معايير دولية توفر مسارًا شرعيًا لمعالجة أهم المخاوف المتعلقة بكيفية توظيف وسائل التواصل الاجتماعي خلال الصراعات والحروب، وتحجيم دورها في نشر خطاب الكراهية والعنف.