الثلاثاء. 08 نوفمبر., 2022
د. رجاء سليـم
تعكس استضافة مصر للنسخة الثانية من الأسبوع العالمي للفرانكوفونية العلمية رؤيتها لأهمية العلم وأنشطة البحث العلمي في المجالات كافة؛ لمواجهة ما يستجد من مشكلات وظواهر بيئية وتحديات اقتصادية واجتماعية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
في إطار اهتمام مصر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، فإنها لا تدخر جهدًا في استضافة وتنظم العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية في مختلف المجالات. وفي ظلّ هذا الاهتمام استضافت النسخة الثانية من الأسبوع العالمي للفرانكوفونية العلمية؛ مما يعكس رؤيتها لأهمية العلم وأنشطة البحث العلمي في المجالات كافة، لمواجهة ما يستجد من مشكلات وظواهر بيئية وتحديات اقتصادية واجتماعية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في كلمته التي وجَّهها لأعمال هذه النسخة، والتي أكد فيها إيمان الدولة المصرية التام بقيمة العلم، وأشاد بجهود الوكالة الجامعية للفرانكوفونية لإطلاق تلك المبادرة، مشددًا على أن أهمية الدبلوماسية العلمية في إتاحة الفرص للتبادل العلمي والمعرفي.
لقد أطلّت الدبلوماسية التعليمية لتؤكد أهميتها من جديد، والتي تستقيها من ارتباطها بالفكر والعلم والثقافة ومخاطبة أجيال شابة؛ حيث برز ذلك بقوة مع انطلاق فعَّاليات النسخة الثانية من الأسبوع العالمي للفرانكوفونية العلمية، التي نظمتها الوكالة الجامعية الفرانكوفونية بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية بالقاهرة في الفترة من 25-28 أكتوبر 2022، تحت رعاية السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، وبحضور عميدها الدكتور "سليم خلبوس"، وبمشاركة عدد من الوزراء والخبراء ورؤساء الجامعات وشباب من الدول الأعضاء بالوكالة.
وفي هذا الصدد، أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اهتمام الحكومة المصرية بتعزيز التعاون مع الوكالة الجامعية للفرانكوفونية، التي تعد داعمًا رئيسًا لمصر في المجالات التعليمية والبحثية والثقافية؛ لما تمثله من أهمية كونها تضم أكثر من 1000 جامعة على مستوى 120 دولة، بما يسهم في إثراء منظومة التعليم الجامعي والبحث العلمي، ودعم التكوين العلمي والإبداعي للشباب.
وفي إطار الأسبوع العالمي للفرانكوفونية العلمية، تم عقد المؤتمر الوزاري الفرانكوفوني السادس بمشاركة أكثر من ثلاثين وزيرًا للتعليم العالي. ونظرًا لأهمية الدبلوماسية العلمية، أقرَّ الوزراء بالإجماع فكرة إصدار بيان من أجل دبلوماسية علمية فرانكوفونية؛ لتنظيم العلاقات بين الجامعات في مختلف الدول والقارات بالتعاون مع الوكالة الجامعية للفرانكوفونية، ودعم فكرة اعتماد صنَّاع القرار على الباحثين في اتخاذ القرارات، كما اتضح ذلك من كلمة عميد الوكالة الجامعية للفرانكوفونية. هذا وسيتم عرض البيان خلال القمة الفرانكوفونية القادمة في تونس، باعتباره وثيقة مرجعية للفرانكوفونية العلمية، طبقًا لما ذكره المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ولا يخفى أن الدور الذي تقوم به الجامعات دور حيوي، يتعين استمراره ودعمه؛ لتعزيز أهداف السياسة الخارجية المصرية في توجهها لتعميق علاقاتها في كافة المجالات مع مختلف دول العالم، حيث تهتم الدول المتقدمة بالتبادل العلمي والتعليمي اهتمامًا كبيرًا؛ لما له من أثر كبير على ازدهار اقتصادها بشكل غير مباشر. فالجامعات تسهم في تشكيل مؤسسات المجتمع بخريجيها، الذين يبرز منهم الصفوة التي تدير مؤسسات الدولة، كما يوفر الحرم الجامعي إحدى الساحات المهمة لعرض وجهات النظر في مختلف قضايا المجتمع، فضلًا عن التقاء الأساتذة والمتخصصين بنظرائهم من الدول الأخرى، الأمر الذي يوفر فرصة للنقاش والتشاور، ودراسة الحلول المبتكرة للمشكلات البيئية والمناخية المستجدة.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا استطاعت استخدام اللغة الفرنسية بذكاء في خدمة سياستها الخارجية؛ حيث استخدمتها لإرساء قاعدة ثقافية راسخة في الدول الفرانكوفونية، فقامت بإنشاء تكتل يضم الدول الناطقة باللغة الفرنسية والمعروف بـ "منظمة الفرانكوفونية" ومقرها باريس، والتي تم الإعلان عنها عام 1970 في "نيامي" عاصمة النيجر، ونجحت فرنسا في إقناع دول غير فرانكوفونية بالانضمام للمنظمة ومن بينها مصر، حتى أن الدكتور "بطرس غالي" تولى إدارتها في الفترة من 16 نوفمبر 1997 حتى 31 ديسمبر 2002. وتعد الوكالة الجامعية للفرانكوفونية -(التي تأسست عام 1961 ومقرها مونتريال بكندا، وتنتشر مكاتبها في دول عديدة، وتهدف إلى تقوية المجال العلمي باللغة الفرنسية، وتعزيز التعاون العلمي وتبادل الخبرات بين أعضائها) - إحدى المؤسسات الفرانكوفونية الأربع الرئيسة بجانب الجامعة الدولية الناطقة بالفرنسية للتنمية الإفريقية (التي يُطلق عليها جامعة سنجور) التي افتُتِحت بالإسكندرية عام 1990، وقناة tv 5 الفضائية، والجمعية الدولية لرؤساء البلديات الناطقة بالفرنسية.
وفي ضوء الاهتمام الفرنسي الكبير باللغة الفرنسية والدبلوماسية العلمية، تبرز ضرورة الاهتمام بدور الجامعات المصرية لطرق كل السبل لتعزيز التفاعلات الثقافية مع نظرائها في مختلف دول العالم، عن طريق تبادل الخبرات والبحوث العلمية والكوادر التعليمية. فالتبادل الثقافي لا بد أن يصبَّ في اتجاهين وليس في اتجاه واحد فقط، وهذا ليس بعيد المنال؛ فقد كان الطلاب يفدون لمصر للتزود بالعلم في جامعة "أون" وجامعة الإسكندرية القديمة، وكانت أوروبا تستفيد من علوم علماء العرب والمسلمين، أمثال: الخوارزمي، وابن رشد، وابن الهيثم، وغيرهم، كذلك تبرز ضرورة الاهتمام بأقسام اللغة العربية في الجامعات التابعة للوكالة الجامعية للفرانكوفونية؛ لحث هذه الجامعات على الاهتمام بالثقافة العربية، ومن ثمّ، فهْم ثقافات الشعوب العربية لزيادة التقارب معها، فضلًا عن السعي لإنشاء مؤسسات تعليمية في دول أخرى، على غِرار إنشاء الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية "نور مبارك "بأوزباكستان عام 2003 كرمز للصداقة بين البلدين، والشروع في إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية في "جوبا" بجنوب السودان.
وختامًا، فإنه مما لا شك فيه أن تكيُّف السياسة التعليمية المصرية بمهارة مع التحولات العالمية، والتغيرات البيئية والمناخية، والتفاعل مع المؤسسات التعليمية في مختلف الدول، والعمل على استثمار مظلة العلاقات الثقافية والتعليمية لتنمية العلاقات الاقتصادية، سينعكس بالضرورة على ازدهار الاقتصاد المصري، وتحقيق التنمية المستدامة.