العدد الأسبوعي رقم 203  -  الجمعة 13 يونيو 2025
الزراعة والذكاء الاصطناعي في إفريقيا
" التطبيق والمخاطر"

اضغط هنا لتصفح النشرة من الموقع

صباح الخير قراءنا الكرام،


شهدت الزراعة في إفريقيا تحولات كبيرة مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى هذا القطاع الحيوي، مما فتح آفاقًا جديدة لتعزيز الإنتاجية وتحقيق الأمن الغذائي في القارة. إن الذكاء الاصطناعي، باعتباره من أبرز تقنيات الثورة الرقمية، يعيد صياغة مستقبل الزراعة عبر تطوير أساليب مبتكرة في مراقبة المحاصيل، إدارة الموارد المائية، والتنبؤ بالظروف المناخية، مما يسهم في تقليل الفاقد وزيادة الكفاءة.

وفي سياق التحديات التنموية والبيئية التي تواجهها إفريقيا، تأتي تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشكل حلًا واعدًا يواكب النمو السكاني المتسارع، ويعزز قدرة المزارعين على اتخاذ قرارات مدعومة بالبيانات الدقيقة، هذه الثورة الرقمية الزراعية لا تقتصر على الجانب التقني فقط، بل تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية تساهم في تحسين مستويات المعيشة ودفع عجلة التنمية المستدامة.

تستعرض هذه النشرة كيف أعاد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الزراعة في إفريقيا، عبر تقديم رؤية شاملة لتطبيقاته، تجاربه الناجحة، والتحديات التي تواجهها، إلى جانب التداعيات التنموية المحتملة التي قد تساهم في بناء قارة أكثر استدامة وازدهارًا من خلال المحاور التالية: - 

  • المحور الأول: الذكاء الاصطناعي والزراعة الذكية

  • المحور الثاني: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الزراعة الإفريقية

  • المحور الثالث: أبرز تجارب الدول الإفريقية في توظيف الذكاء الاصطناعي في الزراعة

  • المحور الرابع: الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي في الزراعة "التحديات والمخاطر"

  • المحور الخامس: رؤى مستقبلية وتوصيات لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة

اضغط هنا للتواصل معنا

أولًا: الذكاء الاصطناعي كأحد مكونات نظام الزراعة الذكية

 

تُعد الزراعة الذكية نموذجًا حديثًا في إدارة الأنشطة الزراعية، والذي يعتمد على توظيف حزمة من التقنيات المتقدمة، أبرزها الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطائرات بدون طيار، والروبوتات الزراعية،  ويهدف هذا النموذج إلى تحقيق إدارة أكثر دقة وكفاءة للموارد، من خلال تعزيز قدرات الرصد والتحليل واتخاذ القرار، بما يسهم في رفع الإنتاجية الزراعية، والحد من الأثر البيئي، وتقليص الهدر في الموارد، كما يُعزز من توظيف الجهود البشرية وتوجيهها نحو مهام ذات قيمة مضافة، بما يضمن تحسين جودة المنتجات الزراعية واستدامة العمليات في المدى الطويل.

المصدر

ثانيًا: النمو المتسارع للذكاء الاصطناعي في الزراعة العالمية

 

يشهد الذكاء الاصطناعي في قطاع الزراعة نموًا عالميًّا متسارعًا، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه من المتوقع أن يتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة على المستوى العالمي بشكل كبير بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 23% بين عامي 2023 و2028، حيث سيرتفع حجمه من 1.7 مليار دولار إلى 4.7 مليارات دولار خلال هذه الفترة.

أما في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فقد شهد مجال تكنولوجيا النظم الزراعية والغذائية، طفرة استثمارية لافتة، إذ قفز حجم الاستثمارات الخاصة من أقل من 10 ملايين دولار في عام 2014 إلى نحو 600 مليون دولار بحلول عام 2022، ما يعكس تنامي الاهتمام بتوظيف التقنيات الحديثة لمواجهة التحديات الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي في القارة.

يعكس هذا النمو السريع الحاجة الملحة إلى اعتماد أساليب زراعية أكثر استدامة، في ظل تحديات نقص اليد العاملة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتزايد الطلب على الغذاء. وتُمكِّن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، وعلى رأسها الزراعة الدقيقة، المزارعين من تحسين استغلال الموارد الزراعية وتعظيم إنتاجية المحاصيل بأعلى كفاءة ممكنة.

تعتمد هذه التقنيات على مجموعة متطورة من الأدوات، مثل؛ صور الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار المزودة بحساسات دقيقة، وأنظمة المعلومات الجغرافية، لمراقبة صحة المحاصيل، ورطوبة التربة، ومستويات المغذيات بشكل لحظي، حيث يُمكِّن هذا الرصد الدقيق المزارعين من ضبط عمليات الري، وتحديد استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية بدقة، ما يساهم في تقليل التكاليف وتقليل الأضرار البيئية.


كذلك تساهم تقنيات الرؤية الحاسوبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في التعرف المبكر على الأعشاب الضارة والآفات، مما يسمح باستخدام مبيدات الأعشاب بطريقة مستهدفة وأكثر فعالية، وبالتالي تقليل الأثر البيئي والتكاليف، ومن خلال تحليل البيانات التي تجمعها الطائرات بدون طيار أو الهواتف الذكية، يساهم التعلم الآلي في الكشف المبكر عن الأمراض والآفات، مما يعزز حماية المحاصيل، ويقلل من الخسائر المحتملة.

وفي ظل تزايد حدة وتكرار الظواهر المناخية المتطرفة، تلعب التحليلات التنبؤية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًّا في توقع المخاطر المناخية وتعديل جداول الزراعة بما يتناسب مع الظروف المتغيرة، كما تساهم الروبوتات وأنظمة الأتمتة في مواجهة نقص اليد العاملة الناجم عن الهجرة الريفية نحو المدن، حيث تؤدي الجرارات والطائرات بدون طيار ذاتية القيادة مهام الزراعة، والمراقبة، والحصاد بأقل تدخل بشري ممكن، مما يفتح آفاقًا جديدة نحو زراعة رقمية متكاملة.

المصدر

تشهد المنظومة الزراعية العالمية تحولًا عميقًا بفعل تطورات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح أداة مركزية في مواجهة التحديات المتفاقمة التي تشمل ندرة الأيدي العاملة، والتغيرات المناخية المتسارعة، وارتفاع كلفة المدخلات، حيث تُوظّف تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن طيف واسع من التطبيقات الزراعية، بدءًا من تنظيم الري بدقة وصولًا إلى الكشف الاستباقي عن الأمراض النباتية، ما يُفضي إلى نظم زراعية أكثر كفاءة، وتلائم متطلبات الاستدامة البيئية، ومع توقعات بارتفاع الطلب العالمي على الغذاء بنسبة تصل إلى 56% بحلول عام 2050 تزداد أهمية هذه الأدوات في رفع الإنتاجية وخفض معدلات الهدر.

 

أولًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل مستقبل الزراعة 


التشخيص الذكي للأمراض والآفات: ساهمت تقنيات تحليل الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة في رصد الأمراض النباتية والآفات الحشرية بدقة فائقة، ما أتاح للمزارعين الاستجابة المبكرة وتقليل الخسائر، كما تُوفر المصائد الذكية، المدعومة بأجهزة استشعار وكاميرات متطورة، بيانات آنية عن حركة وانتشار الآفات، وهو ما يتيح تدخلات علاجية دقيقة، ويحد من الاستخدام المفرط للمبيدات.
 

إدارة الأعشاب الضارة والموارد المائية: تُستخدم أنظمة ذكية، تعتمد على تقنيات التعرف البصري، في التفريق بين المحاصيل والأعشاب الضارة، مما يُمكن من تطبيق مبيدات الأعشاب فقط عند الحاجة، وتقليل الأثر البيئي، أما في مجال الري، فتقوم أنظمة ذكية بمراقبة مستويات الرطوبة في التربة وتعديل توزيع المياه لحظيًا وفقًا لاحتياجات المحصول، ما يعزز كفاءة استخدام المياه.

 

تتبع صحة الثروة الحيوانية: أدى دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة الثروة الحيوانية إلى تطوير آليات جديدة لمراقبة صحة الحيوانات وسلوكها دون تدخل بشري مباشر. وتتيح هذه الأنظمة الكشف المبكر عن الحالات المرضية، وتحسين برامج التغذية والتكاثر، وبالتالي رفع جودة الإنتاج الحيواني وتقليل التكاليف البيطرية.

 

الزراعة الدقيقة وتحسين اتخاذ القرار: تُعد الزراعة الدقيقة أحد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم تحليل البيانات المناخية والتربوية والزمنية لتوجيه المزارع في اتخاذ قرارات مدروسة بشأن الري والتسميد والحصاد، وتُسهم الطائرات المسيرة وأنظمة الرؤية الحاسوبية في اكتشاف التغيرات الدقيقة في صحة النبات، ما يتيح الاستجابة السريعة للضغوط البيئية أو النقص الغذائي، ويُعزز قدرة المزارعين على التكيّف مع متغيرات المناخ.

 

الذكاء الاصطناعي وسلاسل القيمة الزراعية: لا تقتصر فائدة الذكاء الاصطناعي على العمليات الحقلية، بل تمتد إلى مراحل ما بعد الحصاد، من خلال تحسين سلسلة الإمداد، وتوقع الطلب، وتطوير محاصيل جديدة أكثر قدرة على مقاومة الجفاف والآفات، كما تتيح نظم التحليل الجغرافي المتقدمة مراقبة التربة واحتجاز الكربون، ما يُعزز من تطبيق الممارسات الزراعية المتجددة.

 
المصدر

ثانيًا: حلول الذكاء الاصطناعي للتصدي للمشكلات الزراعية ورفع الإنتاجية

 

قدمت شركة Farmonaut ، وهي شركة تكنولوجيا زراعية خاصة مقرها في الهند، وقد ساعدت أكثر من 100 ألف  مزارع في 11 دولة، بما في ذلك مصر ونيجيريا، بعض الحلول الذكية المبتكرة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، لمواجهة التحديات الزراعية مثل انخفاض الإنتاجية، إدارة الموارد بشكل غير فعال، ومكافحة الآفات والأمراض، من خلال مراقبة دقيقة وتحليل متقدم للبيانات على النحو التالي:-

 

جدول يوضح الحلول التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي للتصدي للمشكلات الزراعية 

 


المصدر: Farmonaut، كيف تساهم التقنيات الذكية في تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز التنمية الاقتصادية.

المصدر

أولًا: مصر

 

تخوض مصر تجربة نوعية في مجال الزراعة الذكية، مستندة إلى تعاون استراتيجي بين وزارتي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة واستصلاح الأراضي، بهدف تسريع وتيرة التحول الرقمي في القطاع الزراعي وتعزيز الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية.

 

التحول الرقمي في الخدمات الزراعية: تركز التجربة المصرية على ميكنة الحيازة الزراعية، وإصدار كارت الفلاح، وتطوير البوابة المعلوماتية لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، فضلًا عن إتاحة الخدمات الزراعية على منصة مصر الرقمية، كل هذه الخطوات تمثل حجر الأساس في رقمنة منظومة الدعم والإرشاد الزراعي، وضمان وصول الفلاحين إلى خدمات حكومية أكثر كفاءة وشفافية.

 

الذكاء الاصطناعي والتنبؤ الزراعي: يمثل مشروع "التركيب المحصولي "أحد أبرز ملامح الزراعة الذكية في مصر، إذ يعتمد على الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية، ويتيح هذا المشروع القدرة على رصد حدود الأراضي، وتحديد نوعية المحاصيل، والتنبؤ بالكميات المحصولية، بل والتعامل المبكر مع الآفات الزراعية، وقد تم تطبيقه مبدئيًّا على ستة محاصيل في خمس محافظات.

 

"هدهد" المساعد الذكي للفلاح: أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تجربة رائدة، مشروع المساعد الذكي "هدهد"، وهو تطبيق رقمي يوفّر للمزارعين إرشادات فورية حسب نوع المحصول، المناخ، وطرق الري، ما يعزز من قدرة الفلاح على اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، ويقلل من الفاقد، ويزيد من الكفاءة الإنتاجية.

 

دعم اتخاذ القرار وإدارة الأصول: تسعى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى حصر وإدارة أصولها بشكل رقمي، بهدف تحقيق الاستغلال الأمثل للأراضي والممتلكات الزراعية، إضافة إلى تطوير نظام رقمي لتقدير المساحات المزروعة بدقة، ما يسهم في تحديد الاحتياجات الفعلية من مستلزمات الإنتاج وتقليص فجوة الاستهلاك والإنتاج.

 

الإنذار المبكر : من المرتقب إطلاق مشروع مشترك بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة البيئة لإنشاء نظام إنذار مبكر لحرق المخلفات الزراعية، لا سيما قش الأرز، باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية والاتصالات، بما يساعد على الاستجابة السريعة للأزمات البيئية وتحقيق الاستدامة الزراعية، وحماية البيئة.

 


تُعد تجربة مصر في الزراعة الذكية نموذجًا إقليميًّا واعدًا يجمع بين التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والممارسات البيئية السليمة، مما يسهم في تحسين الإنتاجية الزراعية، وتقليل الفاقد من المحاصيل، وتمكين الفلاح المصري من أدوات حديثة تضمن استدامة قطاع يمثل ركيزة الاقتصاد الوطني.

المصدر


ثانيًا: دول إفريقيا جنوب الصحراء

 

شهدت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء تأثيرًا متزايدًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تم توظيفها في حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات المحلية. وساهمت مجموعة البنك الدولي في هذا التوجه من خلال دعم عدد من المشاريع الحيوية، ومن أبرز هذه المبادرات منصة "هالو تراكتور Hello Tractor "، التي تتيح ربط صغار المزارعين بمالكي الجرارات باستخدام الذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات الزراعية. تعتمد المنصة على تقنيات التعلم الآلي لمتابعة استخدام الجرارات، والتنبؤ بالأحوال الجوية، وتوفير خدمات المراسلة النصية في المناطق التي تفتقر للاتصال الجيد بالإنترنت، ومنذ إطلاقها في عام 2014، ساهمت "هالو تراكتور" في رقمنة نحو 3.5 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، وأسفرت عن زيادة إنتاج الغذاء بما يعادل 5 ملايين طن متري، إلى جانب خلق أكثر من 6000 فرصة عمل.

ومن أبرز الدول التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في الزراعة في إفريقيا جنوب الصحراء:-

 

كينيا: تسجل الزراعة الذكية في كينيا، تطورًا ملحوظًا بفضل إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة صغار المزارعين، من أبرز هذه الابتكارات تطبيق Nuru، وهو أداة ذكية طورت بالتعاون بين جامعة ولاية بنسلفانيا ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) يساعد التطبيق المزارعين على تشخيص أمراض النباتات عبر كاميرا الهاتف؛ إذ يكفي تمرير الهاتف فوق ورقة من المحصول ليقوم التطبيق فورًا بتحديد الإصابة وتقديم نصائح علاجية فورية. لقد شكل هذا الابتكار نقلة نوعية، حيث وفر معلومات دقيقة وسريعة وسهلة الاستخدام، ما عزز قدرة المزارعين على الحفاظ على صحة محاصيلهم وزيادة الإنتاجية.

استطاعت كينيا إدخال مشروع تحليلات التكنولوجيا الزراعية، والذي يهدف إلى استخدام تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي لمساعدة المزارعين على الكشف المبكر عن الآفات والأمراض، وتحديد الكميات الدقيقة من المدخلات الزراعية كالمبيدات والأسمدة ومياه الري، وبالرغم من التحديات التي واجهت المشروع، مثل ارتفاع التكاليف الأولية وضعف البنية التحتية الرقمية في المناطق الريفية، فإن المبادرة نجحت في تسجيل أكثر من 3880 مزارعًا في عدة مقاطعات كينية، وحازت اهتمامًا محليًّا ودوليًّا.

 

جنوب إفريقيا: تقود شركة Aerobotics، في جنوب إفريقيا، ومقرها كيب تاون، ثورة في مجال الزراعة الذكية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار. من خلال منصتها الرقمية "Aero view"، توفر الشركة للمزارعين رؤى دقيقة ومستندة إلى تحليل صور الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة، مما يُمكّنهم من رصد تفشي الآفات والأمراض، وتشخيص نقص المغذيات أو المياه في المحاصيل، خصوصًا في مزارع الأشجار والكروم.

تعتمد المنصة على تقنيات التعلم الآلي لتقديم بيانات دقيقة تُساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مستنيرة وموجهة، ما يساهم في خفض تكاليف المبيدات والأسمدة وتحسين إدارة الموارد المائية. وقد ساعدت هذه التكنولوجيا المتقدمة آلاف المزارعين محليًّا وعالميًّا على تعزيز إنتاجيتهم الزراعية، وخفض الهدر، وتحقيق عوائد اقتصادية أعلى، إلى جانب دعم الاستدامة البيئية في الأنظمة الزراعية.

 

الكاميرون: تم تطوير تطبيق جوال مدعوم بالذكاء الاصطناعي في الكاميرون، لمساعدة المزارعين على اكتشاف أمراض المحاصيل مبكرًا، يعتمد التطبيق على تحميل صور النباتات المصابة للحصول على تشخيص فوري وتوصيات علاجية، ويتميز التطبيق بقدرته على العمل دون اتصال بالإنترنت، مما يجعله مناسبًا للمناطق ذات البنية التحتية الرقمية المحدودة، كما يساهم في تقليل خسائر المحاصيل وتحسين الإنتاجية.


غانا: تم تطوير مجموعات اختبار تربة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل عينات التربة، وتقديم توصيات دقيقة حول نوع وكميات الأسمدة المناسبة لكل حالة، تُمكّن هذه التقنية المزارعين من استخدام المدخلات الزراعية بشكل أكثر فعالية، ما يرفع كفاءة الزراعة، ويقلل من الهدر.

 

تنزانيا: تم اعتماد منصات ذكاء اصطناعي تربط المزارعين مباشرة بالمشترين، ما ساهم في تجاوز دور الوسطاء التقليديين وضمان أسعار عادلة للمزارعين. تعزز هذه المنصات من الشفافية في سلاسل التوريد، وتوفر حوافز اقتصادية أكبر لصغار المنتجين.

يُظهر تزايد اعتماد الدول الإفريقية على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الزراعة تحولًا نوعيًّا في منهجية إدارة هذا القطاع الحيوي، بما يعكس وعيًا متناميًا بأهمية الابتكار الرقمي في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، إلا أن فرص تعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين سبل العيش للمزارعين، تظل مرهونة بتوسيع نطاق هذه المبادرات، وضمان شموليتها، وبناء قدرات وطنية قادرة على تطوير وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الزراعة.

المصدر

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا واعدة لزيادة الإنتاجية الزراعية، فإنه يجب استخدامه ضمن إطار أخلاقي وبيئي صارم لضمان عدالة الوصول، الحفاظ على فرص العمل، حماية الخصوصية، وتقليل الضرر البيئي.

فالتوسع في تطبيقاته دون رقابة قد يؤدي إلى تركيز الموارد بيد فئات محدودة، ويزيد من الفجوة بين المزارعين الصغار والكبار، فضلًا عن المخاطر المحتملة على النظم البيئية نتيجة الاستخدام غير المدروس للتقنيات.

ومن هنا، تبرز الحاجة إلى سياسات متوازنة تدمج التطور التكنولوجي مع مبادئ العدالة والاستدامة، بما يضمن استفادة المجتمعات الريفية كافة من هذه التقنيات دون المساس بحقوقهم أو ببيئتهم الطبيعية.

 

أولًا: أبرز المخاطر البيئية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة
 

انبعاثات الكربون: أظهرت دراسة أجرتها جامعة ماساتشوستس أمهيرست بالولايات المتحدة، أن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، قد يولد ما يصل إلى 300 ألف كجم من ثاني أكسيد الكربون، وهو رقم يعكس تأثيرًا بيئيًّا ضخمًا. وتعتمد هذه الانبعاثات على عوامل مثل نوع الأجهزة المستخدمة، موقع الخوادم، وشبكة الطاقة، ومدة التدريب. 

 

الاستهلاك المستمر للطاقة: تتطلب أجهزة الاستشعار والروبوتات الزراعية الذكية طاقة ثابتة على مدار اليوم، مما يؤدي إلى استهلاك كبير للكهرباء وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، خاصة إذا كانت الطاقة المستعملة مستمدة من مصادر غير متجددة.

 
 


النفايات الإلكترونية: تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي في الزراعة على مواد غير قابلة للتدوير، ومع تقادم مكوناتها أو تعطلها، غالبًا ما يتم التخلص منها بطرق غير آمنة، مما يفاقم مشكلة "النفايات التكنولوجية" الضارة بالبيئة.

 

تصلب التربة (Soil Compaction): أظهرت أبحاث نرويجية أن استخدام الآلات الزراعية الثقيلة المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي يضغط على التربة، ويغير من بنية مسامها، ما يؤدي إلى تدهور خصوبتها، وزيادة التعرية، وفقدان العناصر الغذائية مما قد يسبب تراجع الإنتاجية الزراعية بشكل دائم.

 

ثانيًا: المخاوف الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الزراعة

 

مع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يبرز قلق كبير بشأن غياب الرقابة والتنظيم المناسبين، مما قد يؤدي إلى نقص في الشفافية، والسلامة، والمعايير الأخلاقية والتي تشمل: - 

 

استخدام البيانات وحقوق الملكية الفكرية: يتردد المزارعون في مشاركة بياناتهم الزراعية خوفًا من استغلالها ضدهم أو تسريبها لأطراف غير موثوقة، وهناك شكوك حول من يملك البيانات فعليًّا، وكيف تُستخدم، وما إذا كانت ستُوظف في فرض ضرائب أو غرامات، أو لتعزيز مبيعات شركات محددة، إذ تخشى بعض المجتمعات الزراعية، خاصة في إفريقيا، من أن بياناتهم قد تُستخدم لتقليص حقوقهم أو فرض قيود عليهم.

 


الوصول إلى التكنولوجيا والبيانات: تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تكون مكلفة ومتاحة فقط للمزارع الكبيرة أو التعاونية، بينما تفتقر المزارع الصغيرة إلى الخبرة أو الإمكانية للوصول إليها. هذا يخلق فجوة رقمية، ويقلل من دور المزارعين في اتخاذ القرارات. قد يؤدي ذلك إلى احتكار الشركات الكبرى للبيانات، مما يزيد من التفاوت في القوة والسيطرة على الموارد الزراعية.

 

استبدال القوى العاملة: يخشى الكثيرون من أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات الزراعية قد تقلل الحاجة إلى اليد العاملة البشرية، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف "البطالة التقنية" وتراجع الأجور، مع انعكاسات اجتماعية سلبية. تاريخيًّا، أدت الآلات الزراعية مثل الجرارات إلى تقليل الحاجة إلى العمالة في الزراعة، ومن المتوقع أن يتكرر هذا مع تطور الذكاء الاصطناعي، إلا أنه مع تزايد الهجرة من الريف إلى المدن، يصبح الاعتماد على التكنولوجيا للحفاظ على الإنتاج الزراعي أمرًا لا مفر منه.

 
المصدر

تشير المعطيات الحالية إلى أن مستقبل الزراعة الذكية في إفريقيا سيكون مرهونًا بقدرة الدول والمؤسسات على تسخير التحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية الزراعية، في ضوء ذلك، تتجه السياسات الزراعية نحو تعزيز التعاون الإقليمي، وتوسيع استخدام المنصات الذكية، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، مع التركيز على تطوير الكفاءات البشرية وريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا الزراعية.
ولضمان فعالية هذا التحول، نوصي بما يلي: -

  1. تعزيز التكامل الإقليمي من خلال تنسيق السياسات الزراعية، وتبادل البيانات والخبرات عبر منصات مشتركة.
    يعد التكامل الإقليمي ركيزة أساسية لتعزيز التحول الرقمي في الزراعة الإفريقية، إذ يتطلب النجاح في هذا المجال توحيد الجهود بين الدول الإفريقية لتنسيق السياسات الزراعية بما يتناسب مع الخصوصيات البيئية والاجتماعية لكل منطقة.
    يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منصات رقمية مشتركة تسمح بتبادل البيانات الزراعية، مثل معلومات الطقس، حالة المحاصيل، وأمراض النباتات، مما يسهل اتخاذ القرارات المبنية على أدلة علمية دقيقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن تبادل الخبرات الناجحة في تطبيق تقنيات الزراعة الذكية بين الدول يعزز من قدرة المزارعين والمؤسسات على التكيف مع التحديات، ويزيد من سرعة نشر الابتكارات.

     
  2. الاستثمار في التعليم والتدريب لبناء قدرات محلية متخصصة قادرة على قيادة الابتكار الرقمي الزراعي.
    يعد الاستثمار في برامج التعليم والتدريب المتخصصة في مجال التكنولوجيا الزراعية أمرًا ضروريًّا، وذلك من خلال تهيئة كوادر بشرية مؤهلة قادرة على فهم وتطوير واستخدام التكنولوجيا، من خلال تحديث المناهج التعليمية في الجامعات والمعاهد الزراعية لإدخال مواضيع الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، وتقنيات الاستشعار عن بُعد، مع توفير فرص تدريب عملي وميداني للمزارعين والفنيين.
    كما يجب دعم برامج ريادة الأعمال التي تشجع الشباب والمبتكرين على تطوير حلول رقمية مبتكرة تناسب احتياجات الزراعة الإفريقية، مما يخلق جيلاً جديدًا من القادة التقنيين القادرين على دفع عجلة التطور في القطاع الزراعي.

     
  3. تحفيز البحث العلمي والتطوير لإنتاج حلول تكنولوجية مناسبة للبيئة الإفريقية.
    تتميز البيئة الزراعية في إفريقيا بتحديات مثل تغير المناخ، والمشكلات المتعلقة بالموارد المائية، وتفاوت التربة، الأمر الذي يستدعي تطوير حلول تكنولوجية مخصصة تلبي هذه الظروف، مما يستدعي تعزيز البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث بالتعاون مع القطاع الخاص، مع تخصيص ميزانيات كافية لدعم مشاريع التطوير والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي والزراعة الدقيقة، ويشمل ذلك تطوير تقنيات الاستشعار عن بُعد، والروبوتات الزراعية، والبرمجيات الذكية التي تساعد على تحسين إدارة الموارد الزراعية وتقليل الهدر وزيادة الإنتاجية، كما ينبغي أن تُشجع هذه الأبحاث على تبني تقنيات منخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام لضمان استفادة أكبر عدد من المزارعين، خصوصًا في المناطق الريفية.

     
  4. تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتسريع تطبيق التقنيات الذكية في الحقول الزراعية.
    يلعب التنسيق بين القطاعين العام والخاص دورًا حيويًّا في تحويل نتائج البحث والتطوير إلى تطبيقات عملية على أرض الواقع، حيث  يتميز القطاع الحكومي بقدرته على وضع السياسات الداعمة وتوفير البنية التحتية الرقمية اللازمة، بينما يمتلك القطاع الخاص القدرة على الابتكار وتقديم الحلول التكنولوجية، بالإضافة إلى توسيع نطاق استخدامها؛ لذلك يُنصح بتشكيل تحالفات وشراكات استراتيجية تتيح تبادل الموارد والخبرات، وتحفيز الاستثمارات في المشاريع الرقمية الزراعية، كما يمكن للحكومات تقديم حوافز ضريبية وتمويلية للشركات الناشئة والمبتكرين في هذا المجال، مع ضمان بيئة تنظيمية تشجع الابتكار، وتسهّل وصول التكنولوجيا إلى المزارعين في مختلف المناطق، مما يعزز من فعالية وأثر التحول الرقمي في القطاع الزراعي.

     
المصدر

خاتمة

تشهد الزراعة في إفريقيا نقلة نوعية مع دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أعادت صياغة مستقبل القطاع الزراعي من خلال تعزيز الإنتاجية وتحسين إدارة الموارد. ومن المتوقع أن يُسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة الزراعة الذكية التي تعتمد على مراقبة دقيقة وتحليل متقدم للبيانات، ما يساعد على تقليل الفاقد، وتحسين استخدام المياه والأسمدة، والكشف المبكر عن الأمراض والآفات. 

أظهرت تجارب الدول، لا سيما مصر، كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تدعم الفلاحين بوسائل ذكية مثل المساعدات الرقمية وإنذار المخاطر الزراعية، مما يعزز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في القارة.

رغم الفوائد الجمة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، تواجه الزراعة الإفريقية تحديات تتعلق بالبنية التحتية الرقمية، والتكلفة، والحاجة إلى تدريب وتأهيل الكوادر البشرية، كما يمثل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية لتحويل الزراعة الإفريقية إلى قطاع أكثر استدامة وابتكارًا، قادر على دعم النمو الاقتصادي وتحقيق الأمن الغذائي، مع ضرورة تضافر الجهود بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني لتحقيق هذه الرؤية المستقبلي.

اضغط هنا للتواصل معنا

مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري

IDSC

شهد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري -منذ نشأته عام 1985– عدة تحوُّلات؛ ليُواكب التغيرات التي مرَّ بها المجتمع المصري. فقد اختص في مرحلته الأولى (1985-1999) بتطوير البنية المعلوماتية في مصر، ثم كان إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عام (1999) نقطة تحوُّل رئيسة في مسيرته؛ ليُؤدي دوره كمُؤسسة فكر (Think Tank) تدعم جهود مُتخذ القرار في شتى مجالات التنمية، ثم جاء قرار رئيس مجلس الوزراء، رقم 2085 لسنة 2023 بإعادة تنظيم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار كهيئة عامة خدمية، تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء؛ تتويجًا لجهوده كمركز فكر حكومي متميز يدعم متخذ القرار على المستوى القومي.
نشرة مركز المعلومات اليومية الإلكترونية (IDSC Newsletter)
تصلكم يوميًا قبل الساعة السادسة صباحًا، عدا يوم السبت وأيام الأجازات الرسمية
Copyright © IDSC 2021, All rights reserved.
تواصل معنا عبر البريد الإلكتروني: newsletter@idsc.net.eg
Want to change how you receive these emails?
You can update your preferences or unsubscribe from this list
Facebook
Twitter
Instagram
LinkedIn
Website
Email
YouTube
SoundCloud
WhatsApp