كيف يؤثر الفساد على الدول الأكثر فقرًا؟
أظهرت الدراسات التجريبية أن الفقراء يدفعون أعلى نسبة من دخلهم في شكل رشاوى، الأمر الذي يجعلهم ضحية لعمليات الاحتيال؛ حيث عادة ما يُنظر إليهم على أنهم مضطرون إلى هذا الأمر وعاجزون عن الشكوى، وهكذا، فكل دولار أو يورو أو بيزو أو يوان أو روبية أو روبل مسروق يسلب من الفقراء فرصة متكافئة في الحياة، ويمنع الحكومات من الاستثمار في رأس مالهم البشري.
في السياق ذاته، يقوض الفساد الثقة في الحكومة، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة، خاصة عندما تسود الدولة حالة من الهشاشة وانتشار العنف؛ حيث تتم تغذية الفساد وعدم المساواة والاستياء، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى مزيد من الهشاشة والتطرف العنيف والصراع.
لمواجهة هذه الأوضاع، أطلق "البنك الدولي" مجموعة مبادرات؛ لإعادة تأكيد التزامه بمساعدة الدول على مكافحة الفساد ومواكبة التغيرات التكنولوجية، وتعمل تلك المبادرات على توسيع نطاق تركيز البنك إلى ما وراء الدول النامية ليشمل أيضًا المراكز المالية العالمية، والعمل على اتخاذ سياسات مكافحة الفساد بشكل أكثر انفتاحًا من ذي قبل، بالإضافة إلى تسخير التقنيات الجديدة لفهم ومعالجة ومنع الفساد.
جهود "البنك الدولي" لمكافحة الفساد حول العالم
تغطي سياسات البنك الدولي لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية خمسة مجالات رئيسة، وهي: المشتريات العامة، والبنية التحتية، والمؤسسات المملوكة للدولة، وإدارة الجمارك وتقديم الخدمات، والتكنولوجيا الحكومية، والمبادرات الحكومية المفتوحة، وفي هذا الصدد، يمكن التطرق إلى أبرز الجهود التي قام بها البنك الدولي في عدد من دول العالم:
ساعد "البنك الدولي" أفغانستان للقيام بخطوات واسعة للقضاء على الفساد، وتحسين إدارة المالية العامة، وجعل نظام مشترياتها أكثر شفافية؛ حيث أدت "هيئة المشتريات الوطنية" (National Procurement Authority) في البلاد، دورًا أساسيًّا في تطوير نظام مشتريات يتسم بالشفافية، بالإضافة إلى ذلك، فإن البيانات والمعلومات الأولية حول عمليات الشراء أصبحت متاحة للجميع على موقع الهيئة، وقد أدت الرقابة القوية إلى مساعدة الحكومة على توفير نحو 270 مليون دولار أمريكي من نفقاتها.
في السياق ذاته، ساعد "البنك الدولي" البرازيل، في تطوير نظام ذكاء اصطناعي يضع 225 علامة حمراء؛ لتحديد عمليات الاحتيال المحتملة في المشتريات العامة، ويمكن أن يساعد ذلك في تحسين النفقات. وقد أدى هذا النظام حتى الآن إلى الكشف عن المئات من عمليات الاحتيال عالية الخطورة، والتي يتمثل بعضها في؛ الشركات الوهمية، والشركات التي تتنافس ضد بعضها البعض، والموظفين العموميين العاملين في المؤسسة الحكومية نفسها.
وفي كينيا، أسهم مشروع قضائي أطلقه "البنك الدولي" في إنشاء نظام متقدم لتحليل البيانات، والذي يتم استخدامه لمراقبة القُضاة والمحاكم وموظفيها؛ حيث يعمل هذا النظام كجزء من جهد صريح لمكافحة الفساد، ويتم استخدامه جنبًا إلى جنب مع طرح عدد من استطلاعات الرأي لمستخدمي المحاكم من المواطنين لتحديد مخاطر الفساد ومعالجتها.
هذا، وقد دعم "البنك الدولي" جهود الحكومة في منغوليا؛ لدعم الميزانيات المفتوحة، بما في ذلك نشر موازنات المواطنين، وتحديث بوابات الإنترنت للوصول إلى معلومات الإنفاق. وفي صربيا، ساعد البنك في بناء منصة تشاركية لجمع أصحاب المصلحة، من أجل تحديد ومتابعة إجراءات محددة؛ بهدف تحسين الشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة لدعم النمو الشامل.
ختامًا، قام "البنك الدولي"، بالتعاون مع "صندوق النقد الدولي" وشركاء آخرين، بتشكيل "حكومة الصومال المشتركة" (joint Somalia Government) -وهي مجموعة استشارية دولية للمانحين تقوم بمراجعة جميع العقود الحكومية الكبيرة- وقد أدى هذا إلى توفير أكثر من 40% من النفقات. بينما في أوكرانيا، عمل "البنك الدولي" مع شركاء آخرين لتعزيز إنشاء محكمة متخصصة لمكافحة الفساد في البلاد.
المصدر: مقتطفات تنموية، السنة الثالثة، العدد (10)
|